الرسائل: دفاترُ المذكراتْ
تصلني العديدُ من الرسائل التي تُطالبني بالكتابة عن شيء معين، أو شعور خاص. ولأني أؤمن أن للكلمة الواحدة صدىً قابلاً للتردد على مدى أزمانٍ طويلة، فإني أحاول جاهدةً الرد على هذه الرسائل بالكثير من العناية، والكثير من التأني. تتأخر رسائلنا لأن بعضَ الكلام يحتاجُ إلى تنورٍ جيد تنضجُ فيه الكلماتُ على مَهلها، فتجيء مفعمةً بطعمِ الأمل، وقليلٍ من الحروقِ الطفيفة لُتذكرنا أن لاشيء يأتي بسلاسة حتى اللذيذُ من الآمال.
الرسائل هي ما يربطنُا بالماضي، ويصلنا بالمستقبل، هي دفترُ المذكراتِ القديم الذي نحّنُ إليه حتى لو لم نعد إليه بين حينٍ وآخر، فهو مطبوعٌ في الذاكرة. والذاكرةُ لا تتخلى عن الحنينِ مطلقاً. سأضعُ مقتطفاتٍ من بعض الرسائل التي كتبتها يوماً علّها تجدُ طريقاً إليكم.
مقتطٌفٌ أول:
” ليست كل عثرة سلبية..لأن بعض العثرات من المنجيات..العثرةُ ليست خطأ. الخطأ اذا صادفتنا هذه العثرة مستقبلاً ولم نتجنبها بحسنِ تصرف خصوصاً اذا كانت حادةً وعنيفة. بعض العثرات ناعمةٌ أيضاً نحبُ مرورنا عليها لأنها لا تؤذينا بقدر ما تمنحنا إيماناً. الإيمانُ هو المخزون الذي يجب أن نحافظَ عليه لأنه الوحيدُ الذي لا ينضبُ مهما ضاق الطريق. للقلب إيمان، للروح ايمان، للعقل ايمان وللجسد إيمان. التوازنُ بينهم يحفظنا من السقوط والتعثر الطويل.
لا تقلقي من عثرةٍ صغيرة. إنها لم تُمتكِ، بل منحتكِ شعوراً مختلفاً عما عشتهِ قبلها. امنحيها فرصة النظرة الايجابية واجعليهَا محطةً لايجاد توازن جديد في حياتك”.
مقتطفٌ ثان:
“ان الحياة حينَ تمنحنا فرصة التواجد بقرب من نحب، فإنها تهبنَا جنة على الأرض. فماذا يفعل المرء في الجنة؟ إنه يعملُ على الحفاظ عليها وتطويرها وتنميتها بشتى الطرق، حتى تفيء عليه من ظلالها وينعمَ بجميل ثمرها. لاشيء يأتي دونَ تعب. فلولا التعب في الأشياء لما عرفنا قيمة النجاح. ولما جربنا ثمراً مختلفاً كل يوم.
اتركي لنفسكِ دوماً مساحاتٍ حرة من التفكير. خمسُ دقائق بسكون تام وانقطاع عن كل شيء. لتتذكري فقط أن هناك قلوباً تحبكْ، وتتمنى أن تراك دوماً بكل خير.
إنها آخر الأيام في الجامعة.. آخر الأوراق.. وآخر الالتزاماتِ الدراسية. لا تنشغلي بما ستفعلينه غداً. استمتعي فقط. وأشرعي روحكِ لهواء جديدْ، يحملُ طيبَ من تحبين”.
مقتطفٌ ثالث:
“اكتبي للريح والشجر والماء والحجر. فالناس كهؤلاء لا يختلفون. ان الكاتب الذي يخشى من كلماته كالحطّاب الذي يقطعُ أشجاراً ثم لا يستفيدُ منها. أطلقي العنان لكلماتكِ ولتكن لقاحاً تحملهُ رياحُ شَغفكِ فتزرعهُ في قلوبِ الناس وفي عقولهم. فأجملُ الكلمات ما مرّ على القلب وسكنَ في العقل. أكتبي الآن أول ما يخطرُ على بالكِ من أفكار وأنشريهَا لأنها ستكونُ الأصدقَ على الاطلاق. فأولُ الأفكار بعدَ أي قراءةٍ متأنية خُلاصةٌ وخَلاصْ”.
سأكتفي بهذا القدرِ من المقتطفات حتى لا أطيل. كثيرا ما أُصنّف الأعمال في داخلي على مبدأ يقول.. أكثر عمل يجعلني أكتب هو العمل المُلهِم والمحرّك بالنّسبة إليّ. الرسائل يمكن أن تجعلني أكتب بلا توقّف. هذه الأيّام اكتفيتُ بقراءة كلّ الرسائل التي أمتلكها، وقرأت كثيراً منها أكثر من مرّة في الحقيقة أنا تأسرني التفاصيل داخل الرسائل الصّغيرة بشكل كبير.
كلمة عاديّة منها تجعل الكاتبة فيّ متحرّكة. مزاجي يعشق الرسائل الأدبية ولن أقول إلّا:يا للأدب الذي يُحرّك سواكنا. وليتَ تعاملنا مع أدب الرسائل يكون بشكل أدقّ وأعمق.
لاشيء ينمو بدونِ أن يُدوّنْ. الكتابة تخليدٌ لنا، وتخليدٌ لتاريخنا. والانسانُ الذي لا يكتبْ أو يُكتبُ عنه يُنسى. ومن نٌسّيّ فإنه كمن لم يكنْ. القراءة والكتابةٌ متلازمتان. فالحضاراتُ لا تبنى إلا عليهمَا ولا تستقرُ إلا بهما. على من يقرأ أن يكتب ما تيسرَ له وكلٌ على قدره، حتى لا نقفَ في منتصفِ الطريق.
اكتبي للريح والشجر والماء والحجر ولنا
أعجبني الحرف هنا جدا..
أمر أبيح للكلّ لكي يُضيفوا، يأخذوا، ويزيلوا.
هذا الحرف المتدفّق بصدقه وإن اختلفت تسمية مثلي، أ رواية هو؟ نص؟ خواطر نفس؟ اعترافات داوخل؟ لا أدري! ربّما الأنسب أن أقول هو الحياة!
بعيداً عن عنفوان الحروف، بعيداً عن حسنها الذي ينسكبُ أمامي ويرعبني.. فانظروا للأعلى وسترون الحرف ملاصقاً لتلاصق الإنسان، وكذلك الجمل منثورة كلؤلؤ لمْ يُسلك في خيط!.
أديبة أنت .. أتابع ما تكتبين بشغف هل لأنني أعشق لغتنا وأنت تبينين مفاتنها .. هل لأنني أرى فيك حلمي الذي تحقق .. والسراب الذي أصبح واقعاً أمامي .. سيري والله يوفقك وينفع بك من يهتدي بنور عباراتك .. ونفحات كلماتك .. ومداد روحك .. وفيض مشاعرك .
.