مساجين المجتمع المُحافظ

4e9ee6f371edaabe184d9322bd65e0bc

 

“ولكننا في مجتمع مُحافظ وله خصوصية” متى كانت آخر مرة قيلت لك فيها هذه العبارة؟

دائمًا ما تقال هذه العبارة في سياق رفض فعل أو قول ما يخالف وجهة نظرنا أو ما نظنه قيمةً اتفق عليها المجتمع ضمنيًا. فقد لا يوجد “قانونيا” ما يجرم هذا الفعل أو القول إنما أصل الموضوع أفكارٌ متراكمة شكلت هذه الصورة. أذكرُ نقاشًا مطولاً حول مقطع فيديو انتشر منذ فترة لفتيات يرتدين عباءات ملونةٍ وقد تم تصويرهن والاستهزاء بهن من قبل بعض الصبية. وبغض النظر عن ملابسات المقطع وما جاء فيه، كان رد المدافعين عن التصوير “الصبياني” للفتيات بأنه جاء نتيجة لاستهزائهن بقيم المجتمع المحافظ في ارتداءهن لهذه العباءات الملونة! ولعل السؤال الذي يجب أن نسأله هنا: ما هو مستوى المجتمع الذي تهتز “قيمه” من لون؟

ونستطيع قياس هذا المثال البسيط جدًا على مستوياتٍ أكبر تصل لخيارات مستقبل الفرد وطموحاته كشؤون الدراسة والعمل وما إليها من المسائل التي يعوّل عليها في بناء المجتمع ونماءه. وليس ذلك إلا مصادرةً لحق الاختيار الواجب احترامه ابتداءً. إذ ليس من المعقول أن تتم محاكمة خيارات الفرد على أحكام مسبقة لا ركيزة لها إلا أفكار وأفهام أفرادٍ آخرين. إن تراكم فكرة ما عبر سنوات لا يجعلها تنزيلاً غير قابل للجدل. إن تطور الأفكار وأخذها إلى مستويات أبعد من المتصور هو الذي قاد الإنسان الأول إلى اكتشاف العالم وإنسان الآن العالِم إلى اكتشاف الفضاء.

إننا وبدون وعي أحيانًا نسجن ذواتنا في أقفاص متتالية ما إن نخرج من أحدها حتى ندخل للآخر، كأن تنفك من قفص القبيلة وتدخل قفص المجتمع. ولكن أخطر قفص هو قفصك أنت. ذلك الذي تسجنُ فيه نفسك خوفًا من مواجهة العالم بما تعتقده فتبقى صغيرًا لا تبصرُ إلا من جوانب ضيقة ولا ترى الأشياء على حقيقتها. هناك أوجهٌ كثيرةٌ للحقيقة ولن تقترب منها إلا إذا اطلعت عليها عن كثب. لا أحد يملك الحقيقة المطلقة ويكذب من يقول لك “هذه نهاية المسألة”. يُرهبنا المجتمع لأنه يملك صوتًا والأصوات تبقى أصواتًا لا تزيدنا ولا تنقصنا ما دامت قناعاتنا الواعية هي التي تحركنا.

هناك قيود تكمن في عقولنا لا وجود لها على أرض الواقع. وإن وجدت قد لا تكون بالحدّة التي نتوقعها وربما تكون هشة تحتاج إلى القليل من الجهد للنيل منها. وإذا كان القيد عسيرًا كن ثابتًا ما استطعت إن كنتَ موقنًا بما أنت عليه. إن الذين قاموا بالأعمال العظيمة كانت الثقة مصدر قوتهم وكان اصرارهم هو ركيزة ثباتهم. ولم يتبعهم الآخرون لأنهم أخذوا الناس بالصوت بل تبعهم الآخرون لمّا لامستهم أفعالهم.

إن المجتمعات لا تنمو إلا بوعي أفرادها وكلما كان للتنوع نصيب في خيارات الأفراد كلما انعكس ذلك ايجابًا على الحريات. وحين تزدهرُ الحريات يرتقي المجتمعُ وتكون الحياة بألوان شتى ولكنها متناغمة كالطبيعة.

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *