رسائلهما: رهافتي الأولى

 

 

VERMEER-A-LADY-WRITING-DETALJ-4-NGW

هي

أذكركَ ليلاً. تجولُ في خاطري كأغنية وأوّد لو أكتب لك: أنا هنا، كيفَ أنت؟ وأنك لا تغيب. أباعدُ بيني وبين الخاطرِ بالنعاس، وأنام. لا أصحو فجرًا حتى لا أقرأك. حتى لا أصحو على تذّكر فجيعة أمنيتي المؤجلة. طفلٌ آخر مفترضٌ يرحل. مجبرةً وأفتحُ عيني. أنتَ تلبي الخاطر الذي تمنّى تجيء وتكتبُ لي كلامًا عاطفيًا جدًا. يذوبني في الصباح ويرسلُ رغباته الخفية لي بأن أتمدد مرة أخرى على فراشي الذي ما زال وثيرًا وأحلم بحلمٍ معك. أباعدُ بيني وبين الأمنية من جديد. أكتب كلامًا سخيفًا كرد: أني اشتقتُ أيضاً. الحقيقةُ أنني أكذب. أنا لم أشتق لك. كنتُ أريدُ أن أكتب أكثر من ذلك. أن أكتب أني اشتقتُ لسكبِ نظري في عينيك. ومدّ ابصاري فيك حتى العُمي. لا حاجةَ لعين لا تراك. ولكنّي أعلم. أن الكلامَ صعب. وأنك تدري أنني سأطيرُ بعيدًا عنك للمرة الألف وأصغيرُ غيمةً أو أتلاشى حتى لا تراني. ستظنُ بأني أتهّرب. وأدركُ أني أفعل وأنني بضآلتي لا قدرةَ لي على المزيد من الهرب. وأني لا أتلاشى كما يجب بل أحضرُ كفسيلةٍ مجبورة على العمر. أقسو وليس في طباعي القسوة ولكني عصيةٌ على الرقة التي تجعلني أدنو بالقدرِالذي يجرحني. هل تجرحني؟

أكثر ما يكتبُ في الرسائل التي لا تصلُ الأسئلة المُعلقة التي لا تلقى الأجوبة. الطريقُ الذي لا تصلهُ عجلاتُ سائق البريد. العنوانُ الذي اختفى رقمٌ منه فعادت الرسالةُ من حيثُ جاءت. إلى صندوقٍ مظلمٍ لا يشبهُ النور الذي تحتويه. أسألكَ من البعيد إلى البعيد كأن بيني وبينك صدىً مرتدًا من الجبال التي وزّع عليها ابراهيم طيره، أناديك ولا يعودُ إلا صوتيَ الواهن. لستَ طيرًا ولم يعد إيماني فيك راسخًا. أحببتك لا ليطمئن قلبي ولكن لأني حسبتُ أنك قلبي. أخطأتْ، القلوب لا تفارقُ أصحابها. انتظاري لكَ باتَ حُطامًا لا أملَ في ترميمه. أخبرني عن الأشياء المُرممة. عن الدهان الذي تُطلى به الأشياء لتعود مورقةً وجديدة، هل يعودُ تاريخها من جديد؟ أنت لا تستطيعُ أن تعودَ بعمري للوراء لترجعَ عينيّ دونك ودون أراكَ ودون أن أحبك ودون أن أدري أن الله كتبكَ في طريقي كما كتبَ ليوسف رؤياهُ في الكواكب. هكذا قابليتي في أن ترممني لتعيدني إليك..لأكون لك..وأحلم بك.

لا يمكنني العودةُ إلى رهافتي الأولى، لا لأنك لا تستحقها ولكن لأننّي أدركتُ أنيَ الأولى بها. أوائلُ الأشياءْ، الودْق الذي تنتظرهُ الأرضُ لتلد من جديد. لم تعدْ خصبي. لم تعد الأرضَ التي أوّد السير عليها ولا السماء التي أحلقُ فيها. أوّد أن أحبك من جديد أكثر كما كنتُ أحبك كل يومٍ أكثر. شعورُ المحبة اليومية المتزايدة خَبى. حبكَ لا يَقِلُ ولكنه لا يزيد. كأنهُ رُبطَ إلى جِذعٍ يَباس. ليسَ لك أنت تَهزه، رِقتُه ضعفك.

رسائلكُ تقولُ أنك تحبني. صريحًا وتحبُني. أحبكَ في المقابل وأأثرُ بعدي عنك. أمسحُ الكلمات وأعيدُ كتاباتها. أريدُ أن أكتبُ لك كلامًا حقيقيًا يعبرُ عن استيائي منك ولهفتي إليك. عميقًا ويشبهُ نظرتك. أوّد أن أقول أني اشتقتُ وأني هيت لك، وأن بيننا موسمًا جديدًا يمكننا الاستعداد له ثم القطاف. إلا أنني أدري أني لن أقول، وأني سأنكمش على قلبي في الليلِ كمسبحةٍ مطوية على طاولةٍ جانبية. أعدّ الفصول التي مرت..خريفًا خريفًا وشتاءً شتاءً وربيعًا ربيعًا وصيفًا صيفًا حتى الثالثِ والثلاثين وسأنتهي وأنت لم تآتِ وأنا لم أجدْ فصلاً خالفتَ فيه طبيعتك وأتيت كلك كما أريد. ستدمعُ عينيّ وسأشهق وحيدةً حتى تسمعني النجمةُ التي تراقبني في السماء وتنفجرَ باكية عنّي وتتلألأُ كل السماءِ حُزنًا عليّ حقيقة وأنت أنت لن تدرك أنهُ بكاء، ستعتقدُ أن السماء جميلة وأن النجوم تلمعُ لأن القمرَ يغازلها وأني أتأملهُ الآن وأذكرك. تفهمني السماء لذا لا حاجة لي على بالأرض.

 

Similar Posts

One Comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *