المُتَوْتِرُونَ مُتَوَتِرّون

ساهم “الربيع العربي” في زيادة عدد مستخدمي الشبكات الاجتماعية (فيسبوك-تويتر) حيث بلغَ عدد المستخدمين العرب في تويتر فقط ما يقارب المليون مُتَوتِر*، أغلبهم من فئة الشباب. وبما أن نسبة الشباب في الوطن العربي مرتفعة فإن هذه النسبة تشكل روح وقلب التحرك في الوطن العربي. وتتفاوت هذه الكتلة الشبابية من حيث الوعي والفهم. وذلك أمر طبيعي في خضم تزايد وتيرة الأحداث التي تلف الوطن العربي والعالم من حوله.

إن المطلع على تفاعل الشباب مع الأحداث يجدُ فجوة عميقة بين خطاب النخب السياسية والثقافية وبين الطرح العام الذي يغلب عليه الانفعال. وبدلاً من أن يقود المثقفون هذا الانفعال إلى مرحلة “التفاعل الناضج” نجدُ أن الغالبية تنساقُ وراء الجموع المُنفعلة. وعندما ينزلُ المثقفُ إلى مستوى العامة يكون من الصعب التفريقُ بينهما. وخيرُ مثال لهذه الأزمة الإطلاع على “تويتر”. تَصفح حِساباً لواحد من المثقفين وواحدٍ من العامة في وقت اندلاعِ أي “خبر عاجل” وليكن مثلاً: مقتل القذافي! ستجدُ كماً مهولاً من “السب والشتم” وكماً مماثلاً “مهللاً مكبراً” وكماً شبيهاً له “متشفيّاً” وفئة قليلة تلك التي تناولت الموضوع بـ”حياد وتأنٍ” وأقل منها تلك التي قالت: “اللهم وفق ليبيا وأهل ليبيا لما فيه خير وصلاح” بدون المرور على مقتل القذافي!

وكلما استمر الشباب في امتطاءِ موجةِ “مع الخيل يا شقرا”، كلما اهتز المستقبلُ بين أيدينا في الوقت الذي نحاول فيه جاهدين لملمةَ الأوراق من هنا وهناك لإثراءه، بتجنبِ سلبيات الماضي وتمريرها على شفرةِ النَقدِ الجاد لاقتلاعها بعد أن معرفةِ مسبباتها، ثم التمحيصُ لتنمية الإيجابيات ووضعِ آليات لتطويرها.

إن العقل العربي يعاني مشكلتين أساسيتين الأولى: عدم انتظام الأفكار والثانية: عدم وضوحِ المفاهيم، وذلك وفقاً لما يراهُ الجابري-رحمهُ الله- وفي هاتين المشكلتين تجلياتٌ يمكنُ إسقاطها على الواقع الذي نعيشهُ وبشكل مستمر. تخيلوا معي أنه في خضم الثورة المصرية والثورة اليمنية انشغل الأغلب وبشكل أو بآخر بمراسم العرس الملكي لـ”ويليام وكيت”. وهذا إن دل فإنه يدلُ على اختلاط الأفكار والتوجهات والأولويات في عقل الشاب الذي “يُتَوّت”تارة باسم الحريةِ وفسادِ الحكومات العربية وفي ذات اليوم “يُتَوّت” عن قنينة الماء في “أندلسية”!

ناهيكَ طبعاً عن تسطيح الأحداث واختزالها في أشخاصٍ معينين الشأن الذي يُعنى بهِ الشخص الذي لا يرى سوى اللحظة التي يعيشُ فيها. وهنا يأتي دورُ المثقفِ الواعي الذي يعوّل عليهِ التَبّصُر في المستقبل وإيجاد السُبل المُثلى لجعلهِ أفضل. ويعوّل عليه أكثر في قيادة من حولهُ لأفضل الطُرق.

من الجميل أن يُعرّف كل “مُتّوت” نفسهُ باهتماماته وميوله حتى إذا ما تصفحت حِسابه وجدتَ فيه شخصهُ وأفكارهُ الخاصة بروحٍ واحدةٍ ومضمونٍ واحد متسق بدون تشتيت أو تزعزع في شتى مناحي الحياة. ولستُ أنكرُ على الأحاديث “التّويْتَريّة” الأحاديثَ اليومية التي تُشكلُ اللمسة الاجتماعية والإنسانية والتي هي لب شبكات التواصل الاجتماعي. فالأحاديثُ اليومية المُتبسطةُ التي تحملُ في طياتهَا السمَاحة واللطافة لا عيبَ فيها في حال عدمِ الإكثار منها. أما إذا انقلبت لمدّ يجتاحُ “التايم لاين” فهنا علينا التوقف للحظة للتفكير في مستقبلِ الشباب الذي يتأثرون بما يقالُ وبما يُقدم.

بعض التويْتَريّون مُتميزون بما يطرحون من آراء وأفكار تشكلُ وجهاً جديداً للمرحلةِ القادمة إضافة إلى كونها واجهة مشرقة ونموذجاً براقاً للتفكير المُعتدل الذي لا ينحازُ بلا ضرورة ولا ينساقُ دونَ مبرر.هذا الطبقةُ عليهَا أن تعي حجم مسؤوليتها في تحسين مستوى التفكير لدى متابعيها وجعله تفكيراً نوعياً تفاعلياً لا انفعاليا، متحمساً بالكثيرِ من الرشد. إن تويتر أداةٌ بديعةٌ من حيث كونهِ وسيلةَ مُختزِلة وسريعةً لذلك كان لزاماً على العقول التي تحرصُ على مستقبل الأجيال القادمة توجيه استخدامهِ في الاتجاه المناسب الذي يُرسي المفاهيم الإنسانية والحضارية.

 ___________________________

* تقرير صادر عن كلية دبي للإدارة الحكومية.

Similar Posts

4 Comments

  1. مزاج القراءة منذ أمد طويل يرتفع عاليا صباح الاثنين .

    أتابع.. أقرأ هنا .. هموم .. قضايا.. أطروحات ممتعة في كل شيء .. عذرا شعرت بالحسد لكن المتعة أوسع .

    في شبكات التواصل الاجتماعي ..
    أذهان جديدة.. تجارب جديدة.. قراءات جديدة.. زاحمت.. تتجادل وتتقاطع وتعبّر.. بحدّة أو بهدوء.. تبرز الشّخصيّات بشكلها الحقيقيّ في العالم الافتراضي. شبكات التواصل الاجتماعي تُضيف ولكنّها ليست كافية. السّيء في الأمر، أو حسب ما أراه.. انشغال البعض بسفاسف الأمور عادة ..وترويج الإشاعات .. وهذا ما يجعلهم منشغلين عن القضايا الحقيقيّة.. وعدم احترام رغبات الجميع في النقاش والطرح ووجهات النظر لأن المكتوب رأي شخصيّ فقط وليس إلزام .

    “فوق اصعدي” بالعقل والفكر والحرف والأمنيات .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *