الغيابْ
(من يغفرُ سيئاتِ الغياب؟!)
أسندُ ظهري إلى هذا الكرسيّ العتيق. الكرسيّ الذي شَكَوْتُ إليهِ إلى أن شَگانِيْ ، وبُحتُ له إلى أن بيّح كل أسراري. أقرأ في الرسائل التي كَتبتهُا عُمراً، ووصلتني حياة وأشهقُ الغياب، وينفثني صدرُ التعب فأزفرُ ما تلّظى من الشوق وأستعيدُ ذاكرتي التي لا تنساك ولا تريد، وتنصَبُ ولا تريدُ الخلاص!
على عتبات الغياب، تستوي كلُ الأضلعُ رماداً ولا يُنْشِزُهَا سوى العودة، ولا ترتوي بغير النظراتِ الْمَنْذُورَة لأعين البقاء. مع كل غياب نفقدُ الإحساس بالزمن حتى يَتَبَيَّنَ لنا جلياً أن الوقت الذي عشناهُ في الحضور هو ما يتبّقى لنا، فنستحيلُ رُكاماً فوق رُكام!
الغيابُ استتبابٌ للوجع وخاتمةٌ للسَعادة. شيءٌ مَا يَنطفِيء فينَا مَع كل رحيل، كأننا مِشْكَاة ذهبَتْ الريحُ بنورهَا، رونقُ العينِ يخفتُ حتى لا يبينْ، والابتساماتُ مهمَا عَلَت تبدو كأنهَا قادمةٌ من جحيم. وتبدو كلُ التجاعيد الصغيرةِ قاراتٍ لا تنتهي وحتى الأطرافُ تصيرُ هشةً مرتخيةً تغالبُ لوعتهَا بصبرٍ لا يُساندهَا. مع كلِ غيابٍ ينكسرُ قلبٌ ويفجعُ وجْدان، وتصطفُ الأضلعُ لسمفونيةِ الألم. ويستشري سمُّ السكونِ حتى نفقدَ الكلام!
ليس في الغيابِ ما يُبهج، وليسَ للرحيلِ حَسنات. ولا عزاءَ لفاقد، ولا مَغفرةَ لمُدبرْ. حينَ يغيبُ من تهفوُ إليه خواطرُنا وتتطيّرُ بهِ أفئدتنا تصبحُ الدنيا خطوطاً مستقيمة، فالحياةُ مع من نحبُ متعرجةٌ بشكل ملفت بارِقة كألماسٍ زَيّن يدَاً ناعمةً مخضبةً بحناءِ حبْ. إنها معهم في أجملِ تجلياتهَا فردوسٌ تتدلى عَناقيدُ طَلعهِ من السماء. إننا مع من نحبُ لا نحتاجُ لأعيننا لأن قلوبهم بصيرتنا، ولا آذانٌ لأن أرواحهم سَمعنا. إننا لا نتوهُ لأن صدورهم بَوصلةُ أمانْ، وفي أيْديهم خَارطَةُ السَكنْ.
حين يَفترسُنا الخَوفُ عَلى مَن نحبُ في غِيابهم، يذهب الرحيلُ بنا إلى غاباتِ البكاء المنسيّة في دواخلنا، وحين تتساقطُ دموعنَا ترتوي الأرض بالرغبات، وتصعدُ إلى الربِّ كلُ الأمنياتِ المتدفقة. حتى يستوي الفضاءُ أمامنَا بحوراً من بياضٍ وزرقة. شيءٌ يُطهِرُ وشيءٌ ينعشْ، وبينَ كل دعوةٍ وأخرى رَائحةُ عِطر وهَدهدةُ وئَام.
عودةُ من نحبُ تفجرٌ ينابيع الحياةِ السبعِ فينا، كل الحواس تعودُ إلينَا، والقلبُ والروح. وفي كلٍ حكايةٌ ترتقُ من أحاسيسنَا ثياباً تزيننا في حضورهِم، وتقسمُ بربِ الفلق بعودتهم مهمَا غابوا. وتتبدلُ سيئاتُ الغيابِ بحسناتِ الاحتضانْ وبَديعِ القُبل.
رسالةٌ جديدةٌ أكتبهَا:
” ألفَيتني وَعداً سَرمدياً يُظاهي الغََمام، يَا أجملَ من أقبَلَ وأرَقَ مَن غابَ في القلبِ جناتكَ وعَدْنْ. وفي الروحِ منكَ وشمٌ مُستهَامْ. على سورِِ الرجوعِ ينتظركَ وَجْدي، وفي آخر الطريقِ عينايّ بشغفٍ ترسمانِ يَقينكْ. شَعْري يظللُ طريقكَ فَتَأْتِينِي بلا نصَبٍ ولا شِقاقْ، وآتيكَ كليّ، فتخرجُ الميتَ مني وتحيي الحي، وأمْرجُ بكَ ميلاداً ميلاداً جديداً..يا أجملَ من أقبل وأرَق من غاب، عُدْ إليّ وعِدْني أن أكونَ ميعَادكَ وميقاتكَ، وسأعدكَ أن أغفرَ كلَ سيئةٍ في غيابكَ كتبَتهَا الوحدةُ على ألواحِ السهَرْ”
الغياب ركن بعيد مظلم منطوٍ على نفسه!
تخيلي بعد تلك الصفحات الطويلة تأتي صفحة واحدة بيضاء نقيّة لتقول:
” ألفَيتني وَعداً سَرمدياً يُظاهي الغََمام، يَا أجملَ من أقبَلَ وأرَقَ مَن غابَ في القلبِ جناتكَ وعَدْنْ. وفي الروحِ منكَ وشمٌ مُستهَامْ. على سورِِ الرجوعِ ينتظركَ وَجْدي، وفي آخر الطريقِ عينايّ بشغفٍ ترسمانِ يَقينكْ. شَعْري يظللُ طريقكَ فتأتيني بلا نصَبٍ ولا شِقاقْ، وآتيكَ كليّ، فتخرجُ الميتَ مني وتحيي الحي، وأمْرجُ بكَ ميلاداً ميلاداً جديداً..يا أجملَ من أقبل وأرَق من غاب، عُدْ إليّ وعِدْني أن أكونَ ميعَادكَ وميقاتكَ، وسأعدكَ أن أغفرَ كلَ سيئةٍ في غيابكَ كتبَتهَا الوحدةُ على ألواحِ السهَرْ”
كأغنية طريّة، تجعل المسامع متّسعة وولهة!
ملأى بحروف معتَّقة.. وبأساليب عصيّة على الإتيان بمثلها.. طبق مفروش بالدِّمَقْس ..وذا رائحة عَبِقَة.
تزاحمت الحروف في داخلي فأبتْ أن تتّفق!
فائقة اللذة والابتكار..
اتيت هنا ليلتين
الليلة الاولي كانت ارتشافة الم على أنغام الأنين
الليلة الثانية اتيت ومعي نبيذ الوجع لأحتفل بهذيان الموتى
الفقد هو اغتراب الروح ياشيماء
الفقد هو الوحيد القادر على كسر ضلع الحياة فينا ويجعلنا نتنفس الأحتظار طيلة مكوثنا مع الاحياء
هو الوحيد القادر على جعلنا كومة رماد تلتحف جلودنا المنهكة
ياسامقة في سماء الفقد لقد أوجعتي الفقد ذاته
عذراً لاستسلام ابجديتي هنا ياشيماء فأنتِ تحيكين بمغزل جنون ابجديتك ثوب الغياب بأبهى حله
انتي فقط من يجاري الغياب بتجلي
طاب حسك يانقاء
كوني بخير