لا تنصحني باسم (الله)..

734862ff8032e09d1a3aad01a811bf73

وأنت جالس خلف شاشتك، تقوم بما تقوم به دائمًا بحب وامتنان، يحطٌ عليكَ غضب من حيث لا تعلم. تحاول تفاديه بكثير من الطمأنينة وقليل من الاستغراب وقد تكتفي أحيانًا بالشكر وأحيانًا بقول يشبه “حِلْ عنّي”. ولكن المنغصين لا تعجبهم اجابات من هذا النوع (البارد) لأنهم مشحونون بما يعادلُ ذخيرةً في مستودعاتٍ (داعشية). وكلما كنتَ باردًا معهم كلما زادت حميتهم ونفثوا آفاتهم المريضة أكثر وأكثر.

الناصحون على أشكال. ألطفهم من يأتيك من محبّة. ويحاول بكل تلّطف ألا يؤذيك وألا يشعرك بأنه (ينصحك) ويعتذر ويبرر. وهؤلاء لفرطِ حنانهم قد تغفر لهم وتشكرهم لأنك تعلم أنهم لن يكرروا نصيحتهم وسيكتفون بمراقبتك بصمت وأمل أن يجدوا لنصيحتهم أثرًا ولو بعد حين.

والشكلُ الآخر، تستطيعُ تلمس الشرر الذي يتطاير من حديثهم. ولا يتوقفون عندما تطلب منهم ذلك، أو حتى عندما تصمت حتى ينتهوا. لأنهم ببساطة لا يستطيعون التوقف حتى تبرد جمرة الغضب الداخلي الذي يحملونه. وهؤلاء لا يكترثون بما تقدمهُ أو تطرحه، أو مجالك أو انجازاتك، فكل ما يرونه هو أنك تقدم شيئًا لا تتقبله أنفسهم ولا ترضاهُ سرائرهم. ثم يحكمون عليك بأنك “الغير المختلف” الذي يجب ايذاؤه بكل شكل ممكن!

وأسوأ نوع هو ذلك الذي يأتي لينصحك باسم (الله) ويعتقد أنه يكلمك بلسان الله، فتكون في نظره (العاص المتمرد) على أوامره سبحانه وتعالى. ولا يهمه أن تكون لك وجهة نظر فيما يقول وفيما يعتقد. هذه الفئة غالبًا ما يتجاوز “نصحها” إلى نواياك ومآربك وحتى إلى تحديد “مقعدك من النار” إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

إن النصيحة عندما تأتي على شكل “تسلط” لا يمكن قبولها. وحين تأتي من طرفٍ تجهلهُ وتجهل دوافعه ومعرفته ابتداءً لا يمكنك حتى الاستماع لما يقول.

ولن أتحدث عن شروط التناصح وشروط قبول النصيحة وهيئة الناصح فذلك أمر لا يخفى على أحد. بل أوّد أن أقول: توقفوا عن نصح من لم يطلب النصيحة. إن أسوأ ما يمكن أن يلحق بالفرد هو التدخل السافرُ في جوانب حياته لأنهُ تدخلٌ دون وجه حق. سجن الآخرين في قوالبنا الخاصة وأطرنا التي وضعناها لأنفسها لا يجعلها ملزمة للآخرين ومقياسًا لمدى صلاحهم كأفراد في المجتمع.

إن الله وهبنا العقل لنتخذ سبلنا في الحياة، وكل يتخذُ سبيلهُ على قدرِ علمه ومعرفته. فهناك العارفُ المطمئن الذي يمضي قُدمًا بخطىً ثابتة إلى ما يرمي إليه. وهناك من يفلح في الوصولِ إلى أهدافه بعد أن يمر بالعديد من التجارب التي تعلمه وتصقله. إننا حين نكفل حرية الأفراد في التفكير والتصرف وفقًا لما يرونه مناسبًا لنمط حياتهم وبما لا يؤذي الآخرين، فإننا نكفل تنوع المجتمع وازدهاره بالعديد من الخيارات التي تعطي الحياة أبعادًا جديدة.

إن سموم الكراهية مؤذية. وبيئات الحسد والحقد والجهل لا يمكنها أن تأخذنا إلا لمزيد من الاحتقان والضرر. إن طريق الله حب. وطريق السلام حب. والوصولُ إلى الآخرين لا يأتي إلا بالحب. فترفقوا بأنفسكم ومن حولكم حتى لا يأتي اليوم الذي تخسرون فيه أنفسكم وكل ما تحبون.

Similar Posts

4 Comments

  1. اشعر بالانتماء لهذه المقاله .. واظن الكثير يشعرون بالانتماء ايضاً حيث اننا في مجتمع تتكاثر فيه هذه المخلوقات التي تحاول فرض وجهة نظرها من منطق الدين، هؤلاء الذين يستغلون قوة الدين في تطبيق قوانين نابعه من عادات وتقاليد او نابعه من منطقهم الشخصي! بغض النظر عن صحة كلامهم وبغض النظر عن اهتمامهم في شعور الطرف الاخر.

    سلمت يدينج استاذه شيماء كلام رائع.

  2. أشارك الأخ خالد في الرأي والانتماء لهذا المقال. كلمات جميلة وفصيحة عبرت عن واقعنا.
    شكرًا شيماء

  3. مقال رائع،، في يوم كنت انصح بطرق غير مباشرة حتى لا افقد صحبة ما عن طريق إرسال ايميلات برودكاست وغيره ولكن لاحياة لمن تنادي لدرجة ان البعض قال عني معقدة،، الحمدلله البعض مع الأيام ولظروف مروا بها اهتدوا للصواب فبدأو ينصحون بطرق عنيفة بلهجات اعنف ونسوا ماكانو عليه وبدؤا يروننا شياطين لأمور تافهه حتى نصحهم غير طبيعي فماذا عسانا ان نفعل معهم

  4. حَرْفُكِ بديع شيماء زادكِ ربي تألقًا..
    لكن اعذريني سأجترِح خصوصية مقالك ببعض رؤى قد تخالفك من باب النصح باسم الله:)
    أوافقكِ تمامًا أن الإغلاط في النُّصح ابتداءً لا يعكس جمالية الدين الحاث على التواصي والتناصح برفق وحُب.
    وأوافقكِ تمامًا أن مساحات الاختلاف الشاسعة سائغةٌ مالم تمس حدود الله،ومفهوم حدود الله أوسع من المفهوم اللبرالي الذي يقف فقط عند تخوم حدود الآخرين.
    إلا أنني أعتقد أن العاقل متى نُصح بحقٍّ تجاوز القوالب اللفظية التي قدمت فيها النصيحة لينفذ مباشرة إلى مضمونها النافع له ولم يقع هو فيما يعيب الناصحين عليه من التفتيش عن المقاصد ،والتقوقع على مضمون النصح من سِمة الكاملين.
    وأما أصحاب النفسيِّات النرجسيَّة التي تتمركز حول القالب دون قلبه =فيكفي ذم الله ورسوله لها بقول الله(وإذا قيل له اتقِّ الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد)
    وبقول حبيبنا المصطفى عليه الصلاة والسلام (الكبر بطر الحق وغمط الناس)

    ويقيني أن الأديبة شيماء ليست من هذا الصنف النرجسي المتعالي على النصح حتى يُقدم لها في أطباق لفظية مزركشة،وحتى يُسْفِر لها عن هوية الناصح إن كان من حزبها أو من أعاديها..في اعتقادي أن شيماء النفس تبحث في طيات نصح الناصحين عما يحقق لها سعادتها وارتقاءها الدنيوي والأخروي بلا قيد،وتبقى النيات لأصحابها يحاسبهم عليها خالقهم.
    دمتِ متألقةً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *