جَمرةٌ على كبدي

6d74607afa421b61e175d327adce0c2b

بالأمس ليلاً. كنت في حديث مع حبيبتي ذات الصوت الرفيع العاتبِ منذ أيام. قالت في نقطة من توقف الحديث بيننا: (ما رأيك لو تبنيتُ طفلاً؟) جمرةٌ حطّت على كبدي. كنتُ أدرك توقها الشديد للولد ولم أكن مُدركًا حجم الدمار الذي خلفتهُ فيها من المسافة التي تفصلنا. كان السؤالُ عَتبًا واضحًا واستسلامًا لحقيقة في الغيب، لن يكون لها ولد في القريب مني، لذلك لجأت إلى الأقرب، أن تتبنّى طفلاً الآن وتترك لي حرية اختيار الوقت القادم ليكون لها ولد مني. احساسها المرهفُ لا يقودها للتفكير الأقرب من ذلك، كأن تتزوج بآخر يزرع نطفةً فيها ليكون لها ولد، احساسها أن الولد يجب أن يكون مني. مني أنا القادم من جفاف الأرض.رائحةُ احتراق من جوفي. الجمرة تكويني. وددتُ لو كانت بجانبي لأضربها ثم أضمّها إليّ وأقول لها: أنّي أحبّك وهذا البعد ليس مني. لا أستطيع ابرام وعودٍ أكثر. كل ما قطعته من وعودٍ حتى الآن ضعفٌ مقدمٌ وعلمٌ مؤجّل. ليس لها مني سوا الكلمات، غضبي أنها ترضى بها وتصمت. تغوص فيها داخلها أكثر. وتتركني أتلظّى على مهل. أن تخسرني هو أعظم خساراتها، أن أخسرها هو أن أكون ميتًا. قلتُ لها بعد فاصل بصوت متهدج: (هذه الفكرةُ لا تصلح ولا يمكنني أن أبت فيها). بالطبع لم يكن الجواب الذي أردتُ أن يخرج مني حقيقة. كان الجواب الذي يعلو في داخلي: سأقتربُ منك وننجبُ أطفالاً كُثر. عقيمةً اجاباتي كلها وأنا لا أقدر على الفعل التام والتقدمِ خطوةً اضافية نحوها. لا شيء سوا أنني منشغلٌ بكل ما هو أقل أهميةً منها. الخذلان الذي يتبع الجمل المنطوقة لفنّي. ابتسمتْ وأحسستُ بابتسامتها. كانت ابتسامتها تقول: كُنت أدري. كان صمتي يقول: تبًا لي.

الخيبةُ التي ترافق نهاية المكالمة: (سأنام الآن) قالت. لم تكن لتنام الآن. قلبها مستيقظًا يعّدُ انكساراته معي.

أدرك أنها لم تنم. قامت من فرشتها، فتحت بريديها وكتبت لي:

“كانَ حُلمًا. (المسافة تتسع، وأنت تهرولُ إلى قدرٍ تجهله. أتبعك. أركضُ نحوك. أنتشلك من شيء يشبهُ العاصفة. أحميك وأضمك. أصرخ فيك فجأة: لا تهرول. قلبك هنا. وأضع يدك على صدري..أنتَ هنا..أضغطُ بها على قلبي. تبكي بين يديّ ينتثرُ لؤلؤ من عينيك. تخبرني أنك تُحبني. لست مستعدًا لخسارتي بَعد. أجمعُ لؤلؤك. وأرى طفلاً يبتسمُ بيننا. ربما لا ينتمي إلينا ولكنه يبتسمُ لنا. يحبنَا. وفي عينيهِ لؤلؤ. تحبهُ وتحنو. أحبكما وأدنو. أضمكما كما لو كنتُ أضمّ كرة أرضية).

صحوتُ على صوتك. صوتي مُنتشلٌ من الحلم. كنتُ بانتظارك قبل أن أحلم. رددتُ عليك وفي صوتي أسى: أهلا حبيبي. قلتها برذمٍ بارد أدركه. كان الحلمُ أدفأ. سألتني عن أخباري ولم يكن لدي جديدٌ يذكر. حين تختفي النبرةُ الولهّى في الصوت تنحسرُ الكلمات. كان صوتك عاتبًا، ولم يكن في مقدوري تبرير حُزني. مساحةُ الفقد في الروحُ تجذبُ الكلمات، تختزلها وتحسرها. ليس في حلقي كلام. تلّحُ وأنت تعرفُ ضيقي. أردتُ أن أتخلص من حِمل الملامة. لن أذكر الحلم. قلت في نفسي. أخبرتك مباشرة أني أريد أن أتبنى طفلاً. مصدومًا قليلاً وعارفًا بمدى حاجتي لأن أكون أمًا تنتمي لي حياة. خانتك العبارة. صوتك تقهقهر. لم تكن فصيحًا. جاذبيتك انطفأت قليلاً. لم تستملني. غاضبًا قليلاً ومخذولاً من نفسك وتمردها على رغبك فيّ أكثر. أجبتني (هذا الأمر لا يصلح!) عبارةٌ ليست منك. لست من يقول الجمل بعشوائية مفرطة. خانتك فصاحتك. صحراؤك كانت في فمك. لم تفهمني على النحو الذي أريد. أنا لا أريد طفلاً منك فقط لأني أريد أن أكون أمًا فحسب أو لأني أحبك الآن. أنا أريد أن أكون أمًا ليكون هذا الحبّ يقينًا. ليكون طفلنا امتدادًا لحبنا. أن يكون بصمتنا. أن يكون أنا وأنت. أنا أريدُ أن أرى حبك يتكرر مرة ومرتين وملايينًا وأبدًا.

نصفُ حبيبي جدًا..أحبك. ولا أتمنّى أن أتمنى حياةً من غيرك. ولا يمكنني المزايدةُ عليك أو النظر إلى حياةٍ لست فيها. حياةً لست فيها تعني أنني أنا لستُ فيها. اكترث أو لا تكترث لم يعدّ يعنيني. نقطةُ يأسٍ لا أستطيعُ تجاوزها منك. لا يمكن لعينيك على فتنتيهما أن يرضياني عليك في بُعدك. لا شيء من فتنةِ طرفكَ الميّال وأنت تغنّي لي سيغفرُ لك أنك لست بعدُ أبًا لأولادي. هل سيكون لي ولد؟ أنا أخاف جدًا أن أموت وحيدةً دون أن أترك حياةً مني. وحياةً تثبتُ أني أحببت وكنتُ أمًا. إذا لم تكن لي سأموتُ وحيدةً أعرف ذلك. لا تفعل بي ذلك. أو كن شجاعًا وأخبرني أنك لا تملك أن تكون لي. أو أنك ستكون لي ولن تهبني حياة أخرى. كن حبيبي جدًا واصدقنّي. أحيانًا، يكونُ الصدقُ أكذبُ حقيقة.”

لم تكن تريدُ أن أردّ عليها. كانت تريدُ أن تقول لي: أنها تفكر. تفكر بصوتٍ عال. وتريد لي أكترث، وتعلمُ أني لا أفعل. وتعلمُ أنها تحبنّي ولا تريدُ لنا أن نرحل. وَهنّي يضايقني. حاجتها أشدُ من حاجتي. أحبُ حاجتها وأحبها. وأحب وَهنها اتجاهي. وأحبها وهي تصرخ في اتجاهي. هل تقدر؟ أنا أسألُ نفسي: هل أقدر؟

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *