أنا مصيبتك أيها الرجل

كنتُ أتابع منذ يومين لقاءً تلفزيونيًا مع عدد ممثلات من هوليوود تجاوزت أعمارهن الستين عامًا. كنَ فاتنات بشكل ملفت، الفتنة التي تجعلك تتساءل: هل سأبدو مثلهن بذات الروعة والشباب بعد الأربعين ولا أقول الستين؟! وبطبيعة الحال طُرح السؤال عليهن، فأجمعنَ أن السر الدائم للشباب هو السعادة الداخلية “الحقيقية”. في المقابل وفي نفس اليوم شاهدتُ حلقة من برنامج عربي يتحدثُ عن المرأة في المجتمع العربي وحقوقها وشأنها حين لا تتزوج وعندما تُطلق، وحقوقها وهي أرملة ونظرة المجتمع لها في كل الأحوال، ومسألة المحرم المفروغ منها والكثير من الحديث بين رجلين عن النساء. وسمعتُ برنامجاً حواريًا في الراديو في ذات الأسبوع يتحدث عن حقوق المرأة العربية في “الربيع العربي” وهل حصلت عليها أم تراجعت! ومنذ أسابيع يضجُّ العالم بحديث عن المرأة السعودية الفاضلة وحقها في القيادة..ولم أجد إلا ندرة من الذين لم يتحدثوا عن هذا الموضوع أو شاركوا به بشكل أو بآخر!

وكما لو أن الدنيا تخلو من أيّ شيءٍ غير النساء، قلة هم الذين يتحدثون في شؤون الحياة الأخرى أو العلم والإختراع على سبيل المصادفة. ولا أظن أن أحدًا فكَر بالحِمْل الذي يُثقلُ به كاهل امرأة تفكرُ في أن تعيش حياةً هادئة لا ينشغلُ بها أحد ولا يعرقل انشغاله بها حياتها، حياة لا يقال لها أو تُسأل فيها: ماذا يحدث في حياتك، هل تخرجتي..هل تزوجتي..هل أنجبتي..هل ستكملين دراستك، أين ومع من..أين ستذهبين..ومتى تعودين..كيف لا تفعلين ذلك ولماذا تفعلين كذا..الخ

ويبدو الأمر كما لو ان أسهل موضوع للحديث عنه، هو موضوع “المرأة” وما يتشعب من هذا الموضوع في جميع مناحي حياتها من الشؤون العامة إلى الخاصة إلى الحميمية جدًا. فحقوقها وما لها وما عليها وما يجب أن تفعله يُمليها ويتحدثُ عنها من أراد وكيفما أراد. ولا يلتفتُ المجتمع إلى أنه بذلك وبعرفه وتقاليده وما حمّله على الدين من قيودٍ على كاهل المرأة، يحمّلها وزرًا لا ذنب لها فيه بل ويحدّ من حياتها الطبيعية ويشكل ضغطًا نفسيًا يدفعها دومًا للإحساس بأنها كائنٌ مغمور ومجبور على الإنصياع لحياة قد لا ترغب فيها وذلك فقط لأن آخرين حكموا عليها بذلك. إن كثيرًا من النساء –ويحق لهن- يشعرنّ بأنهم في سجن كبير على هيئة حياة لكثرة ما يُملى عليهن. تختطفُ فيه سعادتهن حتى في بسيط أمورهن ككلام أو زيارة أو نزهة أو دراسةٍ معيّنة بسبب الممنوعات المقررة والمحاذير المفروضة مما يسبب لهن الكثيرٌ من العَنت مع كل اختيار -إن كان لهن صوت-. 

ويلاحظ أن أغلب مجتمعاتنا تتعامل  مع المرأة بتحفظ كما لو كانت قاصرًا لا تعي ما تفعل، وهو على النقيض تمامًا مما يجب أن يكون. كنتُ  أحادث إحدى الصديقات ومن عرض الحديث قلت لها: لا توجدُ امرأة حرةٌ في مُجتمعاتنا، توجدُ امرأة سمحَ لها أهلها ومحارمها أن تكون كذلك. ويمكنني في هذا المقال أن أصُّف كل التساؤلات التي تدور في خلد امرأة عربية عن وضعها وبين الفارق فيما يقال عن حقوقها وبين ما هو بين يديها حقيقة منها. وهذا ما لن أفعله في هذا المقال.

إن شهيرات هوليوود اللاتي تحدثت عنهن في البداية، لم تكن سعادتهن تنبعُ من كونهن مشهورات ويعشن حياةً مرهفةً لا يستطيعُ كثيرون منا عيشها -على حد تعبيرهن- بل لأنهن مؤمنات بأن السعادة ليست إلا فِعلاً داخلياً يدفع الإنسان لكل جميلٍ في الحياة، فتجعله يُقدم عليها بثقة ودون خوف أو تفكير في الندم أو الدخول في محاولاتٍ دائمة لتقييم الآخرين أو تضييق الرؤية على خيارات الحياة. إنهن سعيدات ومنتجات ومعطاءات حتى في سنواتهن المتقدمَة لأن المجتمع لم يقيدهن منذ البدء بل قدَر وما زال يقَدِر عطاؤهن وخياراتهن في الحياة ويعتبرهن من العظيمات اللاتي لا يكررهن الزمان.

يشعرك البعض أنه لا ينظرُ إلى الحياة بقدر ما يوجه كل طاقته إلى المرأة التي تصنعُ الحياة (بيولوجيًا). ذروا المرأة وشأنها، دعوها تعيشُ كما تشاء ضمن حدود تضعُها لنفسها في حدود ما تراه مُتناسبًا مع وضعها. لا تتحدثوا بإسمها ولا تنشغلوا بشؤونها. ذروها كما أراد الله لها أن تكون إنسانًا عاقلاً مستقلاً تقومُ به أمّة وحضارة. عاملوها أنها أساس بناء لا أداة هدم، أنها بَركة وليست مصيبة تحاولون تفاديها أو تجنيبها ما قد يصادفها من مصائب. دعوها تفكر وتفعل. وتفعل وتفكر. تصيبُ وتخطئ. تنتج وتبدع بعيدًا عما تريدون لها أنتم أن تفعل. حرروها من نظرتكم الضيقة ومدّوا نظركم إلى العالم الرحب.

 

Similar Posts

3 Comments

  1. هنيئا لي بقراءة حروفك.

    الجهل إذا أحاط بالعقل فهو كالسور الرصين، حتى وإن حاول التعليم تحطيم بعضه فإن الأساس يظل يقاوم عوامل التعرية التعليمية؛ نتيجة لبعض الجهل الموروث ثقافيًا في العقل الجمعي، و لدفع هذه المقاومة لابد من الوعي..
    و الوعي ليس تحصيل حاصل إنما ينبثق من الذات الإنسانية قبل كل شيء، إدراكًا ومحاولةً وبحثًا.
    فالوعي إرادة و رغبة حقيقية بالتغيير.

    أقول للنساء :
    الإدراك .. الوعي .. الرغبة الحقيقية بالتغيير .
    والنتيجة هي السعادة و الرضا الداخي 🙂

  2. مقال جميل
    لكن تعقيب
    أعتقد كثير من المشاكل حول المرأه سببها المرأه التي لا تعي امكانياتها او ما تستطيع تحمله او مواجهته من العالم
    يعني مثلا المساواه ف كل وظائف وهل تقدر هي على نفس المساواه ؟!
    مثل شخص لا يمتلك شئ ولا يسأله ليه مش عندك كذا وتبدأ المشكله
    وطبعا المجتمع اساسه الاسره والله خلقنا من ذكر وأنثى وكل شخص محتاج للتاني
    واخلاق الرجل العربي تحتم عليه حجات بصفات معينه
    المرأه تمتلك الرجل كثيراالآن

    اما النظره الغربيه هي يجب تعديلها لتناسب ديننا واخلاقنا ولا يصح المطالبه بها كما هي

  3. نحن أمام مرافعة أرادت بها “القانونية “إدارة ظهرها للقاضي واللعب على عواطف حضور المحكمة أو ربما دفعها الشوق إلى المعطف الأسود أو معطف المحاماة !! . التجربة كانت رائعة بالنسبة لمهنة المحاماة . و طبيعي أن يبحث المحامي عن كل أساليب الدفع بقضيته إلى الحكم لصالحه . السعادة ليست قضية “مجتمع “أو “رأي عام ” ! .لكن النفاذ من خلالها إلى مظلومية المرأة كانت مستند محامية ومدافعة عن المرأة لذلك لم يستدعى الدفاع الإنصاف بل المهم كسب القضية من خلال مفردات التعاطف مع المرأة . حرفة المحامية تجاوزت كثيرا على ضمير القلم .

    معطف المحاماة الأسود كان خيار للتذكير بعدم الظلم في إصدار الأحكام .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *