حُورِيَة الأَرْضْ

هذه القصة القصيرةٌ، مُهداةٌ للأرواحِ التي تكافحُ بصمت، وتلك التي غادرتَنا تاركةً أثراً طيباً في نفوسنا

❤❤❤

حوريةُ الأرض

أشرقت الشمسُ والوهَن يتخذُّ من أضلعها مَطرحاً. طَالعتْ في الشمس التي تخترقُ الستائر الوردية بهدوء. فكرتْ: “أن هذا الألم سيقتُلهَا وكما أن للشمس أملاً يجعلها تَطلعُ كل يوم، فلن تكون أضعفَ من الشمس. اليوم عليها أن تذهبُ للأمل برجليهَا. اليوم يومُ الخَلاص!”

خرجت تقودُ سيارتها بنفسها. علّها تخفف عن نفسهَا توترَ اللحظاتِ الأخيرة. أمسكت المقوّد وهي تتألم ولكنهَا قاومت. إن لم تستطع أن تتحملَ هذا الألم، فلن تقوى على سواه. لاشيءَ يقتلنا كما تقتلنا الأفكار السلبية. تراودهَا كل الاحتمالاتِ ولا تُبقي من صبرهَا شيئاً. بقدرِ تشاؤمنا تواجهنا الحياةُ بأحزانها وبقدرِ الأملِ تتفتقُ الأزهارُ فيها.

بدأت أولُ الفحوصات، استقبلتها الطبيبةُ بابتسامةٍ صافية مطمئنةً إياها:

-الحياةُ تمنحنَا في كل فصل منها سبباً للحياة. المؤمن الذي يكافحُ بإيمان هو الذي يقدرُ نعمةَ الله أن منحهُ أياماً عصيةً ليقربهُ منهُ طاهراً مرضيّاً.

-أنا لا أخافُ على نفسي أخافُ على بيتي..زوجي وأبنائي! كيفَ سأنظرُ في عيونهم دونَ أن أبكي وأضمهم إليَّ دونَ أموت مئة مرة!

-الخوفُ نجاةٌ إذا حُكّم ودُبرْ. أما إذا استحْكَم كان موتاً مُعجل. اتركي الخلقَ للخالق. الإيمانُ نجاة. فلنتوكل على الله.

حاولت أن تتمالكَ نفسها وهي تقودُ سيارتَها في طريقِ العودة بعد أسبوع. وقفت أمام البحر فانفجرَ كل ما فيها باكياً. كيف ستخبرُ زوجهَا؟ كيفَ ستواجهُ أبنائها. ماذا ستفعل؟ هل ستموتُ وحيدةً إن لم تخبر أحداً؟ إنهُ القرار الأكثر وجعاً! في غمرةِ الدموع والألم، لاحت في الأفق سفينةٌ وبدأت تقتربُ بهدوءْ حتى لاحت ملامحهَا وبرزت. أدرَكت في هذه اللحظة أن السفينةَ وصلت إلى هنا وهي تحملُ معها أمل الوصول. حتى إذا ما وصلت الميناء استراحت لتغادرَ من جديد إلى ميناء جديد قد يكونُ أجمل من الذي تقفُ فيه الآن. قررت في هذه اللحظة أنها ستحاربُ والكلُ معها. فإن تموتَ والكلُ معك، خيرٌ من أن تموت وحيداً متألماً.

ستكونُ ليلةً مميزة، عليهَا أن ترتدي فرحاً حتى لا تنقلبَ الليلةُ إلى مرثيةً طويلة. اشترت فستاناً جديداً زهرياً كاللون الذي تعشق. وأرسلت لزوجِهَا رسالةً قصيرة تقول فيها:

( حبيبي.. لأن الحياةَ حلمٌ لا يكتملُ إلا مَعكَ، دعني اليوم أحلمُ معكَ أني حورية)

لم تمرَ عليهِ هذه الرسالةُ كما باقي رسائلها، أستوقفتهُ كلماتهَا لأنه يعلمُ أن لكلِ كلمة تكتبهَا بُعد. جنبَ عقلهُ الأفكار السلبية وقرر أن يشتري هديةً لهذه الليلةِ الملائكية. الهديةُ لمناسبتهَا والقلبُ لمشاعرهِ. اختار أن يشتري لها عقداً، اختار عقداً صغيراً بقطعةِ ألماسٍ كبيرةٍ ووحيدة تُشبهُ بريقَ عينيهَا الذي يغريهِ كل مرة.

دخلَ المساءُ حنوناً، ولما رآهَا متأنقةً بفستانهَا الزهري، علمَ أن عليه أن يستجمع كلَ حنانهُ ليهديهِ إياها باقةَ ورود. دعتهُ إلى الجلوس فلمَح لمحةً من الحزنِ شفافة فبادرهَا بالسؤال:

-أنتِ تتألقين كقمر يا حبيبتي، إلا أن هناك ما لا أعلمهُ فبوحي؟ إن القمر حينَ يبكي تترصعُ السماء بالنجوم.

-تعرفُ كم أحبك، وأرى الكونَ كلهُ بعينكَ لا عينيّ. هكذا منذُ أول لقاء بيننا عرفتُ أنكَ مَقصدي. ولأنني أعلمُ أني أحدُ أضلعكْ، عليكَ أن تعرفَ أني سأوجعك! ولكن لا خيارَ لي إلا أن أشركك وخَياركَ سيكونُ مأمَني.

وقبلَ أن ينطقً أكملت:

-ذلكَ التعبُ الذي تراهُ فيّ منذ فترة، ليس فُتوراً مني. ولأني أحبك وأولادي قررتُ أن أذهبَ لإجراء بعض الفحوصات، أطمئن كلها سليمةٌ إلا أحدهم. لا تقلق. سأكون بخير أعلمُ ذلك. إنه سرطان الثدي في المرحلة الأولى و..

قاطعهَا:

-أنا اخترتكِ من بينِ النساءَ لأنكِ تختزلين كل النساء. وأحببتكِ لأن الحب لا يليقُ إلا بك. أنتِ حوريةُ الأرضِ والسماءِ لي. كلُ أيامي لكِ. لن أكونَ إلا معكِ ولن أتقوّى إلا بقوتكِ. أحببتكِ في الرخاءِ وأحببتني في العُسر فكيفَ لا أحبكِ في كليهِمَا؟!

-ستتعب! ستكونُ هناكَ أيامٌ لن أستطيعُ الوقوفَ فيها. وأيامٌ بمزاجٍ لا يُطاق! لن تكونُ بعضُ الأيامِ عادية كما هي الآن.

-ستكونُ مميزةً لأنكِ فيها. وستكون أجملَ فتزيدنَا قرباً. اقتربي حتى تشفيْنَ. أنتِ النورُ في حياتي. أنتَ القوة فينَا جميعاً. أنت عَتبةُ المنزل لاشيء يصلحُ بدونكِ. لن أترككِ مُطلقاً. سنكونُ كلناَ لكِ قلباً وصدراً حنوناً وفياً. فقط كوني أنتِ.

سنةٌ من  التعبِ انقضت، سنةٌ ولّت بأحزانهَا وأفراحهَا. عادت إلى إلى الفحص بعدهَا لتطمئنَ أن كل شيء بخير، هذهِ المرة كانَ معهَا زوجها، وإبنائُهَا لتبشرهَم الطبيبةُ أن يحتفلوا اليوم احتفالاً مختلفاً بقدومِ طفلٍ جديدٍ للعائلة المُتماسكة الجميلة.

❤❤❤

 مهما كان عمركِ، لا تترددي في اجراء الفحص الدوري لسرطان الثدي. الفحصُ ضمانتكِ للحياةِ مع تحبين. 

أيها الرجلُ الوفيّ: ادعم من تحب من النساء حولك للوقاية من هذا المرض حتى لا تخسرهم. 

❤❤❤

❤❤❤

ادام الله الصحة على الجميع 

❤❤❤

Similar Posts

One Comment

  1. بورك قلمك .. رائعة في سردك للقصة وإن كنت أعتقد جازمة أنها جرت للكثيرات .. كم فقدنا أحباباً جراء هذا المرض الذي يسري ببطء في الجسد ..
    ولا يشعر به الإنسان إلا عندما يستفحل !! فعلا صدق من سمى هذا المرض بالمرض الخبيث .. كم فقدنا أحباباً وبكيناهم ولا زلنا نترحم عليهم وذكراهم لا تفارق مخيلتنا بعد أن عانوا مدة طويلة .. أسأل تعالى أن يكفي شر هذا المرض المسلمين .. ويشفي كل سقيم .. ويرحم كل من مات من المسلمين ..ويجعلهم مع الشهداء والأبرار ..
    أعجبني موقف الزوج المحب الحنون .. وأعجبتني الزوجة المحبة .. نعم هكذا يجب أن تكونا الأسرة المتضامنة المتحابة كل فرد يخاف على الآخر .. ويقف مسانداً له في أحلك وأشد الأوقات .. ويكفي نصيحتك في الآخر التي هي الزبدة بحق .. ونصيحة غالية يجب الأخذ بها .. ودمتم طيبين ترفلون بثوب الصحة والعافية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *