وردني البرودكاست التالي..!

تخيلوا!

أن “الهوت ميل”لم يغلق بريدي الإلكتروني بعد، ولم يطالبني بدفع أي مبلغ حتى يبقى حسابي نافذاً!

وحتى الآن لم أشاهد فيلم”فتنة” عن السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها!

ولم أسمع حتى الآن أن العلماء اكتشفوا الأسباب التي تؤدي إلى الأمراض السرطانية!

هل حدث لأحدكم شيء من الذي ذكر أعلاه؟! إذا كان جوابكم (كلا)، استمروا في قراءة المقال مأجورين، وإن كانت إجاباتكم  (نعم) فزودونا بما عُلمتم مأجورين.

قبل سنوات ليست ببعيدة كانت هذه الأخبار تصلنا بطريقة مزعجة على البريد الإلكتروني من المجموعات البريدية المتنوعة أو صديق اكتشف البريد الإلكتروني لتوه. ومع تقدمنا في استخدام التقنية قلّت هذه الرسائل كثيراً حتى ظهر “الفيس بوك” في سنة 2004 وفي 2008 ظهرَ “تويتر” وبعده بسنة أو سنتين (هبّ) الشعب الخليجي والعربي في تقنيتيّ “البلاك بري” و “الآيفون”! ولا أحتاج أن أقول لكم كيف (يهّب) هذا الشعب في كل شيءٍ يقع بين يديه!

أعادت لنا هذه التقنيات الحديثة الكثير من الصخب وقدمت لنا الجديد في هذا المجال المذكور أعلاه! ففي البلاك بري-لأنني من مستخدميه- أصبح كل من تراه صدفةً وليس لك به علاقة مقربة يريدُ الـ”بن كود” الخاص بك. ومنذ قبولك للإضافة تتفاجئ باللون البنفسجي وكمية من “السمايلز” والقلوب الحمراء التي لا تنتهي مرحبةً بك كأنك للتو أتيت من معركة كنتَ فيها الفاتح! هذا جميل. ولكن عندما يكونُ هذا الشخص مِن مَن لم تعرف عنهُ شيئاً منذُ زمن بعيد وبالكاد تتذكرُ اسمه فهذا شيء غريب!

ويستمر هاتفك في الرنين بنغمات مختلفة، واحدة (للايميل) وأخرى (للبي بي ام ماسنجر) وأخرى لرسائل (الأس أم أس) وهذه خاصة بالرفقاء الذين لم يتطوروا بعد، والأخيرة عندما يتصل بك أحد ليحادثك هاتفياً، وهذه تصبحُ أقل أيضاً لأنك لا تحتاج مع هذه التقنية أن تكلم الناس شفوياً فأنت حين تشتاق ترسل لهم (قلباً وعناقاً). وحينَ تغضب (تضع وجهاً غاضباً) ولا تقرأ ما يكتب لك كنوع من “الطناش” وتظل عين المُتلقي تنتظر حتى يتحول الحرف من (D) إلى (R). وحين تمرض وتريد أحداً لمواساتك تضع (الوجه الأخضر) وتكتب في حالتك “تعبان ومالي خلق”! وإذا كنتُ مُجهداً وفي خاطرك “سالفة” تسجلُ وترسلُ (فويس نوت). وحين لا يجيبك مُحدثك وتحس بانشغاله عنك ما عليك سوى أن تُعطيه (بنق)!

وهكذا اختُزلت حياتنا في مجموعة رقمية من التعبيرات (الكبسولية) فأصبحنا بالكاد نرفع سماعة الهاتف لـ”نعايد” مثلاً على بعضنا لبعض في العيد من باب الواجب الذي تحتمه “فرحة العيد”!

لا أحتاجُ أن أحدثكم بالطبع عن اكتشاف (التايم) المذهل! والذي يرتبطُ بأهمية الوقت عند هذه الفئة “مكياج- بحر- دراسة- قرآن- صيام- دلع..الخ” من السخافات التي لا تنتهي والتي لا تعني أحداً سوى مستخدميها! ولا أحتاج إن أذكركم بأن في “لستتكم” من هو دائم النكد أو دائم “الطلعات” أو دائم الملل ويمطرك بوابل من الأشعار المأساوية والاقتباسات التي ما أنزل الله بها من سُلطان. وإذا قررت أن “تحذف” أحدهم فاجئك بالـ”ري انفايت”..!

وصلني من أكثر من صديقة برودكاست (يحذر) من الرسائل الماسونية الخفية التي تبثُها ديزني في أفلامها وأن (الحقود اللدود عدو الإسلام والسلام ونصير الصهيونية) والت ديزني يريدُ لأبنائنا الفساد فعلينا بمقاطعته ليكون عبرةً لكل من يشكلُ خطراً على عقيدة أبناءنا، ويقسمُ كاتب البرودكاست هذا على قارئه أن يرى المقطع كاملاً ويساهم في نشره مَأجوراً! لطيفٌ أليس كذلك؟! الألطف أني رأيت إحدى هؤلاء الصديقات خارجة مع أبنائها من السينما بعد متابعة أحد أفلام ديزني!!

لا أدري متى ستتوب هذه النوعية من البشر عن نشر كل ما هو غير أكيد وغير مفيد؟ إن هذا الاستنزاف الوجداني للناس ينعكسُ سلباً وبطريقة عكسية على تفاعلنا مع المواضيع الحيوية في حياتنا الخاصة وشأننا العام. إن العقل الذي يمتلأْ بالتفاهات عقلُ مغيبٌ عن الواقع يتخذُ قراراته بناء على عاطفة مهزوزة وعقل مُتبلد. وهذا لا ينفعُ في زمن يحاول الكثيرون فيه بجهد بالغ دفع عميلة الوعي على مستوى الأفكار والأفعال إلى الأمام. فإذا لم تكن شريكاً في هذه العميلة بفاعلية بحيث تدفعها إلى الأمام فلا تكن شريكاً في سحبها إلى الوراء.

التقنية، أداةٌ بديعةٌ إذا أحسنّا في استخدامها ولا يمكن لأحد أن يُنكر حسناتِ هذا البُعد التقني وما أضافهُ لحياتنا من أريحية ومزايا. ولكنها أيضاً قد تكون كارثة على كل من لا يميزُ بين الخير والشر، ولا يَعي سيرةَ التقدم.

رجاء أخير..

قبل أن تنشرُ شيئاً اقرأهُ بتمعن وتأكد منه شخصياً. وفي حال عدم تمكنك من ذلك لا تقم بنشره ووفر وقتك ووقت الآخرين وخفف عليهم إزعاج التقنية بما لا ينفعهم!

Similar Posts

One Comment

  1. من فعل بنا كل هذا ؟
    هناك فئة كلما تقدم العلم والتطور تحاول أن تجرنا للوراء إلى عصور الظلام. عصر صناعة الخرافة والأكاذيب بمثل هذه (البرودكاست). وتتجاهل كل حسنات وفوائد هذه الوسيلة وتركز على السلبيات والقشور فقط . بلا حقائق صحيحة ولا أيضاَ معلومات دقيقة . والأفظع إن هناك من يساعد في إعادة إرسال مثل هذا (البرودكاست) .

    في الحقيقة أنا تأسرني التفاصيل الصّغيرة بشكل كبير في مثل هذه المقالات . أُحبّ الالتفات للأمور التي قد لا يلتفت الأشخاص لها.. أحببتُ طريقة وضع الكلمات والجمل وتشبيهاتها.
    تشبه أغنية عظيمة. (الكوبليه) الأوّل منها يصف الرّضا. الثّاني يصف العتب. الثالث حكمة . الصّوت فيه حنكة قلم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *