أنتِ طريقُ الحرير

8de5459969f1a021b4136f9da36f3b3b

هو

تظنين أنني أستطيع التخلي عنّك. افلاتكِ من أعماقي كما يقذفُ طفلٌ حجرًا من مللٍ غير مكترث باسترجاعه لأن حوله الكثيرُ من الأحجارِ القابلة للرمي. تظنين ويجرحني أن تظني ذلك ويغفرُ لكِ كلي لأنّي أدرك أن هذا الظنّ ليس من أعماقك. فأعماقك أطهرُ من اتهامٍ وحبي لكِ يقينٌ مُحقق.

أنتِ نبوءة قلبي مذ خُلقِت. أنتِ كاستحقاق الحياةِ العَذبة لمُعدم، كنتِ خَلاصي. أراكِ زهرةً في وادٍ فاضَ بالماء وأنا الغريقُ غيرُ المكترث بالغرقِ قدرَ اهتمامي بحسنكِ الذي أعتبره نجاة. لن أكفّر لكِ عن خطيئة الغياب ولكنّي وبجذع كامل ميّالٍ على حضنكِ سأزيحُ عنكِ ظنونكِ نحوي. وسأغفر كما مغفرتك واسعةٌ بلا حدّ. وسأصالحُ كبريائي على كبريائكِ علهمّا يتفقان فلا نشقَى. ما يهمُ في الغيّاب، الحضور وما يهمُ في الحضور تمَامه، فإن نقصَ فلن يكونَ أبدًا. وأنا آتيك بروحٍ حاضرة تنتظرُ أمرك وتتلمسّ نور الرضا الذي يشع من تحت بريق عينيك من وراء الغضب. وآتيك ولا أستجدي بالكلام بل بصمتٍ أتمنّى أن يحاضر سمعكِ فتنهينَ عن صمتك وتأوين لي.

صدقيي..لا أستطيعُ تحمّل تسربكِ من بينِ أصابعي. فأنتِ لا تتسربين ككل، منكِ يبقى بين ما بين أصابعي فأشتملك، وألمسكِ، وأتحركُ بك ولا تفارقين. أقوَى من مفعولِ وجودكِ تسربك، وأقوى من مفعول قُبَلكِ تواجدك فيّ، لا تُختزلينَ ولا تقْبلينَ النزولَ من الذاكرة. في عقلي وفي قلبي سككٌ وممراتٌ لا يمرُ من خلالها إلا أنت. أنتِ وجميعُ أشيائكِ. تخيلي: ذاكرتك التي تعبرُ ذاكرتي ويتطابقُ الطريق ولا تزل قدم. هوسكِ الذي ينزلُ من محطةٍ لأخرى متفاديًا الإعتياد. غضبكِ الذي يشبهُ صافرةَ القطار ووهجكِ الذي يشبهِ نورَ المُقدمةِ من ضوءِ الليل. تخيلي: صوتكِ الذي يتمايلَ على السكة..قفزةٌ لليمين وأخرى للشمال. انحناءةٌ للخلفِ وقفزةٌ للأمام. غيرتكِ التي تشبهُ الأرض الغير مستوية تحت السّكة. القطار يرتجفُ كقدميكِ اللتين توردتا في الحذاءِ الأخضر. تخيلي: المَعبر الذي يضيقُ كما صدرك، ويتفتحُ برقة على وقع (أحبكِ) كمعبرِ عريق. أتخيّل البسفور. مضيقَ مرمرة. كلا..أنتِ طريقُ الحرير بعراقته وصفقاتهِ الرابحة، بالتعب الذي يتكبدهُ التجارُ للوصولِ إليه. بالطبول التي قُرعت احتفاءًا بمواويل المساء البارد. بالتوابل التي عبرتَ والعطورُ التي سُكبت وكل قصص الحبِ التي مرت عليه. أنتِ لمرةٍ واحدةٍ واستثنائية تكتشفين على مَهل ولا يمكنُ تفاديك ولا يكتملُ العبور إلا بك.

تسألينني: كم يُحزنك أن تلتفتَ نحو الجهةِ الفارغةِ مني؛ يمينك، ولا تلقاني أتأملُ طرفك الناعس وآخر شعرةٍ في حاجبكَ المقوّس؟ أجيبكِ والليلُ يتسربُ إلى غرفتي تاركًا إياي في دُجاه وسرمديته: كثيرًا. كما لو كنتُ أعتقدُ أن العالم كلهُ في حبةِ الخالِ أسفل عينكِ اليسرى. ويقيني أن فراغ وجنتكِ اليمنى ليسَ إلا لإتزان القُبل. يحزنني أن يلتفتُ كلّي للجانب المضيء من الكون. الجانب الذي تأتين أنت منه ولا أطاله. يحزنني ويحررني من الحزنِ أني أدرك أنك تَعين حبي وتقدرينه وأنك مهما ابتعدتِ قُرب ومهما ابتعدتُ فذاك محال. أشتمُ رائحة شعرك وأتضوعُ عطر رقبتك الهارب من عود..وأتمنى لو أني أميلُ إلى جانبكِ –وأنتِ في جهتكِ البعيدة- أكثر وأضعُ يدي على قلبك لأعرف حياتي التي تقبعُ في داخلكِ وتأبى الخروج إليّ. تائهٌ وعلى أبوابكِ المغّلقةِ عِتابٌ وبكاء. ضائعٌ منديل التداوي من يدي. عاريٌ كلّي لولا أني أستشعرُ نبضكِ بي.

أدعو الحروف لتتوسلَ إليك، لِتُدنيكِ منّي. وأحاولُ أن أنادي كليّ الذي لديكِ ليأتي إلى رميم العظامِ فيّ لآتيك كُلاً كما عشقتني أولَ مرة. أتوسلُ الكلماتَ أن تفعلَ ما لم أفعله. أن تَلفتَ انتباهك إلى الشقيِّ الذي يُحاول رشقكِ بالحروف. الحروف يا سيدتي التي تنظرينَ إليها وتصدين غير راضيةٍ عن صدّكِ أو عنّي. الوقت ما تحتاجين. والوقتُ ما سأهبك ولكنّي لن أتوقفَ عن حُبك. وسأظلُ الطفلَ الذي يتلاعبُ بالحروف ويحاولُ رشقكِ بها علّ حرفًا يستهويك، علّ حرفًا يَجبركِ فترضين عنّي. 

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *