لا أحد يصلي في الفاتيكان

* إحدى صديقاتي المُحجبات تظهرُ مُقدمة شعرها بإستمرار، قابلتنا صديقة أخرى مرة فسألتني بعدها:

-صديقتك ليش تطّلع شعرها؟

أجبتُ: هي حرة فيما تفعل وحجابها ليس شرط صداقتنا.

-ولكنها صديقتك!

ابتسمتُ وقلت: تراها مطوّعة.

ضحكت: مطوّعة وتطّلع شعرها. هذا اللي بقَى!

أحكامنا المُطلقة على البشر تقريرية، ونبني على أساسها مشاعرنا اتجاههم. نفترض أن الشكل المعيّن يلْزمُه تصرف مُعيّن والعكس. إلا أن الحياة لا تسيرُ على أحكامنا وليست قابلة للتفسير على هذا النحو، فلكل شخص حريةٌ في التصرف بما يراه مناسبًا له ولقيمه ومبادئه. آراؤك لا تُلزم الآخرين وآراء الآخرين لا تُلزمك.

***

* بعد نقاشٍ طويل قال:

-مهما قلت وفعلت لن تقتنع برأيي.

رد عليه: ولكني استمعتُ إليك.

اغتاظ وقال: وما فائدة استماعك إذا كنت لا تقتنع!

مُشكلتنا أننا نعتقد أننا في معركة أبدية وعلينا أن نثبت فيها أن ما نعتقده هو الصحيح الوحيد. ننسى أن التنوّع سُنة كونية. وأن التطابق الكلي أمرٌ لا يحدث، فلا أنت تشبهني ولا أنا أشبهك ويستحيل يستحيل حتى ولو كنتُ أشبهك أن أكون صورة أصلية عنك. الحياةُ ليست على شكل حلبة وليس لها خطُ نهاية يعلنُ بعده الفائز. الحياةُ ميدان كبير فيه اتجاهات وطرق لا تنتهي. تخيل لو سلك البشرُ كلهم فيها نفس الطريق؟

***

* يمنحنا السفر فرصة للتعرف على بلاد الله. سماء واحدة تحتها الكون كله ولكن في كل مكان أرض مختلفة. في روما كان من الضروري جدًا أن أزور الفاتيكان. إنها بلادٌ مذهلة! يمكن تأمل كل شبرٍ فيها دون ملل. كل ما فيها يحرض على الجمال. الأرضيات.. الأسقف..المنحوتات..الأعمال الفنية المختلفة..الحديقة الكبيرة..وأخيرًا باسيلكا سانت بيتر أو كما تُسمى (كاتدرائية القديس بطرس). تذهلك الكاتدارئية حين تَدخلها وتقف مذهولاً أمام كمية الأعمال الفنية المترامية فيها على قدرِ المساحة الكبيرة لكن ما يحدث حقيقة هناك أنك لا تدخلُ لتصلي..ربما لا أحد يدخل هناك ليصلي! الكل منشغل إما بتأمل الجمال أو بالتقاط صورٍ له!

لا أحدَ يُصلي في الفاتيكان..كما نسمعُ دومًا لا أحد يصلي في المساجد! ولو صلى المسلمون صلواتهم في المساجد لكنا أفضل حالاً وأكثر تَقدمًا! هناك أيضًا قليلون يصلون في الكنائس ولكنهم على نحو آخر أفضل حالاً وأكثر تقدمًا. ليست المسألةُ هُنا إذًا. وكما أن استغلال الدينِ يحدثُ في كل الديانات وعلى مر التاريخ فإن الجهل على قدرٍ متساوٍ حين يعلقُ أحدهم صورة لبابا الكنيسة وهو يلوّح بيديه للعامة على صدره أو باب بيته وبين الذي يشتري ماء مقروءًا عليه من قبل شيخ ما! ما يحدث هو أن شخصًا تاجر بدين ما وقبلَ البعضُ الشراء جهلاً وتسليمًا بأن الآخر أفهم وأقْدر.

المسألة: هل هذا هو الإيمان الذي أرادهُ لنا الله؟ يستحيل!

لا يمكن للإيمان الحقيقي أن ينبع من جهل. الإيمان كلهُ إدراك ووعي. ولا تكمن أقصى مشاكله في توافر مكان لإقامة شعيرة أو في منع مظهرٍ منه بل في استيعاب ما تقودُ إليه حقيقته. ما ينتجُ عنه من ثمار للفرد والبشرية على حدٍ سواء. الإيمان في أبهى صورهِ تجلٍ روحي ينبعُ من الداخل العميق الذي به تتزنُ حياةُ المرء وبه يستطيع العطاء. وواجبُ كل إنسان البحث في داخله عن هذا الإيمان الحقيقي الذي ينعكسُ على عطاءه لنفسه أولاً وللآخرين ثانيًا. أنت لا تعطي الناس شيئًا حين تُصلي لله. أنت تُعطي نفسك دافعًا لمواصلة الحياة. يقول د. جاسم السلطان في كتابه أنا والقرآن: “إن الإنسان أمام سؤال الإيمان يحتاج إلى ذلك العقل المتسائل الباحث، ولا يحتاج إلى عقل بليد ساكن”.

Similar Posts

4 Comments

  1. ذكرتيني في زيارة كانت لي للأندلس، دخلنا إحدى الكنائس التي هي بالأصل كانت مسجد وقد تركوا قبلة المسجد بمساحه ضيقه جداً كما هي مسوره وحولوا الباقي الى كنيسه، كان المرشد معنا يشرح تاريخ واصل المسجد والخ، واذا بحارس من الأمن أشار لنا لا تصلوا فإنه ممنوع، ومن سنتنا إذا دخلنا مسجد صلينا السنه، بصوت شبه مسموع قال شيخنا صلوا وقوف وقفنا بهدوء ونحن نتأمل القبله وكل منا كبر بصوره غير ملحوظة وصلينا وقوف ليس انهزاماً ولكن من اجل ان لا نثير فزع اهل الكنيسه لهم دينهم ولنا ديننا ، جميله المقاله يا شيما

  2. من احلى المقالات اللي قرأتها … صحيح فيها تأمل للواقع وكيف احنا نفرض راينا ونتوقع من الجميع انهم يمشون عليه .. مشكورة على هالمقال الجميل شيماء والى الامام دائما .. الله يحفظج

  3. فعلا المسلم في الوقت الحالي لابد ان ينتبة لتصرفاتة و لاخلاقة لانة خلط بينها وبين الاعمال المحرمة بالدين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *