مُجتمع خلّ عنّك..!
كم زوجة حاولت أن تكسر جمود زوجها بهديةٍ مثلاً، فجاءها ردهُ مفجعاً: “لو إنك موفرة هالفلوس للبيت بدل الكلام الفاضي هذا..!”؟ وكم شاباً حاول أن ينصحَ صديقاً له فرد عليه مُتهكماً: “مسوّي فيها مطوّع اليوم!” ؟!
هذه التعليقات وأكثر منها نسمعها بشكل يومي. هذه التعليقات تحملُ طابعاً شخصياً ولكن لو نظرنا إليها بشكل دقيق ستقودُنا إلى طريقة التفكير المضطربة التي نفكرُ من خلالها كمجتمع، والأفكار الجمعية التي نتعامل بها. هذه المنظومة الفكرية المضطربة تؤدي إلى اهتزازات عنيفة تضرب جذور المجتمع وشخصية أبناءه من حيثُ ندري ولا ندري!
ولو وقفنا لنحلل شخصيات أبناء مجتمعنا لوجدنا تفاوتاً طفيفاً بينها. لأن مستوى التفكير لدى الكثيرين متقارب وهو الحدُ “الأدنى” من استخدام طاقاته وتطويع عقله. لدينا نوع من الشخصياتِ سأسميها تلّطفاً (الشخصية المُحرجَة)، وهذه الشخصية لديها مواهب وقدرات ولكنها تستحي أن تُظهر ما تتميّز به أمام الناس أكثر من خجلها من أن يقال عنها (شخصية عابرة). هذه الشخصية نِتاج مُجتمعٍ يميلُ إلى السلبية أكثر منه إلى الإيجابية في أغلب مناحيه مما يولدُ هذه النوعية من الشخصيات التي لا تقدمُ لنفسها ولا من حولها إلا الشيء البسيط من قدراتها في استحياءٍ مُهيب. هذه الشخصيات يوّلدها المجتمعُ بشكل مُستمر ويمنعها من الانخراط والمشاركة المُثرية في بناءه، لا لأن صوتها يختفي تدريجياً بل لأنها تتصرفُ مع أقرانها بذات الأسلوب “القمعي المستبد”.
إن مجتمعاً يهتمُ بتعزيز ثقة أبناءهِ في قدراتهم لن ينتج إلا شخصياتٍ مبدعة في جميع المجالات. يوجد حولنا نماذج لشخصيات مبهرة. فكم سمعنا عن مبدعٍ كانت طفولته “مأساةً بشرية” وآخر كان محط سخرية زملاءِه وآخرٌ أحبط ألف مرة قبل أن يصل إلى مُبتغاه ويصيرُ منارةً لمن يأتي من بعده. إن الأمر في الكثير منه مرتبطٌ بشخصيةِ الإنسان، في نظرتهِ لنفسه وفي اطلاقهِ لإمكاناتهِ كلها. هناك شخصياتٌ لا يزيدها “التحطيم” إلا اصراراً على النجاح ومثابرةً للوصول لأفضل ما يمكن الوصول إليه. وهناك شخصيات لو غمرتها بكل المحفزات والإمكانيات لم تأخذك لأبعد مما تنظرُ إليه. وهنا تتجلى روعةُ إطلاقِ الإنسان لامكاناته التي تأتي من رغبتهِ الداخلية في تقديم شيء مختلف، شيء فريد، شيء يقودُ إلى ما هو أكبر منه.
منذُ فترة حضرت مع والدي احدى الندوات التي كانت موجهة له من منظمة شبابية تُدعى (مُغيّرون) موجهةً للشباب الصغار الذين يبحثون عن التميّز ووجه للحاضرين هذا السؤال: إذا كان هناك شاب مُبدع ومتحمس وتحدث مرة مثلا أمام مجموعة من الشباب عن عمله بحماس متّقد وهمّة عالية، ماذا تتوقعون أن يقولوا له؟! فكان الرد جماعياً وبصوت واحد تقريباً: (من صجّك؟!). نعم! (من صجّك؟!) تعليق فتّاك! وتعليق (خلّ عنّك) قد يكونُ أليماً ومُحبطاً أيضاً. كم من فكرةٍ برّاقة قُتلت في مهدها بسبب هذه التعليقات؟ وكم شاباً تراجع ألف مرة عن تحقيق مشروعه بسبب هذه السلبية؟!
إن أول خطوةٍ لتعزيز قيمة الفرد لدى نفسه وعند الآخرين هي (القول الحسن)، لأنه لبنةٌ أساسية في بناء شخصية صحية قادرةٍ على العطاء والإنتاج. استبدالُ التعليقاتِ المشحونةِ باليأس، المقترنة بالتهكم بأقوال أكثر لطافةً وجاذبية قد يقلبُ كيانَ ألف شخص ويفتحُ باباً لألف فكرةٍ مُلهمة. تعليقاتنا الإيجابية هي من باب احسان الظن واحسان البناء. القولُ الحسن أداةٌ فاعلّة في بناء شخصية أفرادٍ أسوياء متوازنين. مهما قلّ تقديرنا للكلمات الحسنة إلا أنها وبلا جدال تؤثر ايجاباً في نفسِ مُتلقيها مهما كَبر سنه ومهما علا مُستواه. لن يضر أحدنا لو جرّب أحدنا أن يقول لزوجته حين ترتدي فستاناً جديداً: “شهالزين كله؟” بدلاً من: “شلابسة إنتِ؟!”. وكم سيكون أطفالنا متألقين لو جربت أمٌ أن تقول لطفلها: “تعال ألعب معك” بدلاً من: “أذيتني روح العب بعيد”. كلمةٌ واحدةٌ طيبةٌ مفتاحٌ لمئة بابٍ مُغلق.
مقال فكري رائع ..
كلمات بسيطة قد تؤثر بالمجتمع باكلمه ..
لك ودي 🙂
this is second article i read it for you. My request is try to put name to the stories so we can follow up and then put the conclusion so it will be better understood. sorry comment in english no arabic key board on the laptop.
all the respect.