النُسخُ المُستَنسخَة..هُنا الخليج!

وردني يوماً على موقعي هذا السؤال “خفيف الظل، شديد اللهجة”: (ما أشوفج تتكلمين عن الموضة والكشخة..ليش؟ ولا ما تحبين هالسوالف؟!). والحقيقةُ أني عندما قرأتهُ ضحكت وتسائلتُ في نفسي: “والمطلوب”! لماذا سيحتاجُ الناس أن يعرفوا عني إذا كنتُ مهتمةً بالموضة، وأتابعُ أخبارها ويهمني الحديثُ عنها أكثر من الحديثِ في أي موضوعٍ آخر؟!

لكل إنسانٍ “طبيعي” ذوقهُ الخاص الذي يتشكلُ مع شخصيتهِ وميوله، ويتغيرُ هذا الذوق ويتطوّر حسب تنامي شخصيته. هناك من يبحثُ عن التميّز في مظهرهِ فيحبُ الظهور بشكل غريب ومُلفت حتى يكون محط الأنظار. وهناكَ من لا يهتمُ مطلقاً بما يرتدي “قميص أخضر، بنطلون عنابي، جزمة أصفر فسفوري”. وهناكَ من يخرجُ من بيته كل مرة بأبهى حُله كأنه “مشخّص لعرس”. والبعض يخرجُ مُرتباً أنيقاً ببساطة وعفوية “لا له ولا عليه”. قد تجدُ هذا المزيجَ عند “الأجانب” وكثيراً! أما في خليجنا الجميل والممتع عليكَ أن “تنسى” تقريباً أن تجدَ كل هذه النوعياتِ في مكانٍ واحد! فالأغلبُ أنك ستجدَ نُسخاً مستنسخةً من بعضها لبعض لدرجة تجعلك تشك في أنك “مخلوق فضائي” إذا لم تكن على ذات الشاكلة.

الفتياتُ هنا، على نموذج واحد..(لونٍ واحد يقال له “برونزاج” ونحنُ في “عزِ” البرد..عباءة قصيرة حتى يظهر ظهر الحذاء “الأحمر”..شنطة واحدة ذات “سلسلة” وللتو “هبّوا” في موضة “أم حرف واحد”..الاكسسوارات “التجميع” من أكثر من “محل”..المكياج الواحد “الروج” العنابي أو لون “الكبدة”..والحواجب “السوداء” التي تنتهي فجأة)..! أما الشباب فهم في حالة تمَاهي بين “تي شيرتات بولو” والصامدون منهم “بالأثواب” تكمنُ “كشختهم” في عطر وجوّال “يشبه اسم سيارة”! حتى في الأكل، ما إن يفتح مطعم جديد حتى تجد كل الشعب يتجه له وخصوصاً إذا كان “معروفاً” و”عادي” لو لم يكن ذا جودة عالية. المهم أن نمارس جميعنا ذات الممارسات و”نكشخ نفس الكشخة”..!

والسؤال الكبير هنا لماذا كل هذا التقليد الغير مبرر..والجواب العظيم المُحزن هو “انعدام الشخصية”..!

نعم؛ إن أغلب الشباب يعاني من انعدام فاضح في الشخصية ولا توجد لديهم أي رغبة في التميّز لا في الجيّد ولا في الأقل منه. إن شخصاً يكرسُ حياتهُ اليومية في التنقل بين المواقع للبحث عن آخر صيحات الموضة، ويحرصُ على اقتناءِ كل ما يوجد عندَ كل الناس، ليسَ إلا شخصاً فارغاً مُستسلماً لأهواء وأفكارِ غيره ولو جزمَ بأنه خلاف ذلك تماماً. إن كثيراً من الشباب يعاني من “بلادةٍ” ولوثةٍ فكريةٍ واختلالات كبيرةٍ في الشخصية فيكون الناتجُ أننا لا نقدمُ لبعضنا لبعض إلا مظاهر سطحية لا تدل إلا على قصور عقولنا التي لم ترقَ بعدُ إلى التفكير فيما وراءَ القشور!

الاختلافُ هو الذي يصنعُ المجتمعاتِ المبدعة. الاختلافُ هو الأساس الكوني الذي أرادنا الله لنا أن نحيا عليه. الاختلافُ هو قَوامُ الحياةِ ولولا ذلك لما قال سبحانهُ {كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا }*.

ليسَ عيباً أن تحرص على هندامك ومظهرك العيبُ أن لا يكونَ حرصك على جاذبية شخصيتك بذاتِ القدر. العيبُ أن يكونَ مظهرك من الخارجِ أغلى من مخزون أفكارك وعطائك للآخرين. والمشكلةُ الحقيقة تكمنُ في لو كنتَ تظنُ أنك لا تهتمُ بهذه المظاهر وأنت أكثرُ الناس اهتماماً وحديثاً عنها!

إن جاذبيتنا الحقيقة لا تكمنُ في أشكالنا بل بجمال أرواحنا ورقيِّ أفكارنا وحسنِ تعاملنا مع الآخرين. الجمالُ الحقيقي ينبعُ من الداخل وينعكسُ على الخارجِ دونَ تكلّف وهذا هو الأصل. اهتمامنا بمخرجاتِ عقولنا مع حسنِ أخلاقنا وأدائنا لأعمالنا على الوجهِ المُتقنِ هو ما سيترك لنا أثراً بعد مماتنا وهو ما سنورثهُ لأبنائنا وما سيساعدهم على جعل عالمهم أفضل مما هو عليه..!

_________________

* سورة مريم، آية (95)

Similar Posts

5 Comments

  1. على الوتر يا شيماء ..

    فعلا نسخ مستنسخه .. حتى وصلت لدرجة المسلسلات والبرامج التلفزيونية .. “ليش ما تتابعين هالبرنامج كل الشعب يتابع” ووصل الاستنساخ لنفس الذائقة الأدبية .. كل الشعب يقرأ ذات الرواية وله ذات التعليق !..

    بل الأدهى استنساخ الاهمال وكل العادات الغير أخلاقية .. ولكأن ما أتى به الأغلبية أعمال مقدسةي جب اتباعها وإلا نعت بالمنحرف عن المجتمع والمتخلف الذي يستحق الشفقة والنصيحة ليعود للتغريد مع السرب ! ..عافانا الله واياك من الاستنساخ بكل اشكاله .. وشكرا على المقاله التي تحدثت بلسان كل شخص مختلف .. شكرا شيماء ..

  2. أنه لا أمر مضحك فعلاً أن يصل بنا زماننا لهذا الحد،
    ف عندما كان اجدادنا يعملون ويكدون لأجل ايجاد لقمة العيش وشيء يكسو اجسادهم، ونحن نرى الشباب والشابات بشكل اسبوعي يقومون بالتسوق هنا وهناك والبحث عن الجديد دوماً !!! أستغرب هذه النقطة جداً لماذا هؤلاء يحبثون عن الجديد فقط ولا غير إلا الجديد، لدرجة انك تجد احد الفتيات تذهب للمجمع وتمضي ثلاث ساعات وتخرج دون قطعة واحدة بحكم انه لا يوجد شيء جديد أو على الموضة!
    هذه فئة وللأسف منتشرة جداً

    بالسابق كان الناس يرتدون النظارة ذو الفريم العريض وجاءت فترة النظارات نصف الفريم او بدون ، وكانت موضة ومن كان يتبع السابق يعتبر ما يلبسه قديم! الان عاد الشباب بلبس الفريم العريض بشكل ملفت، فقط لأنها موضة!

    شكراً لكِ سيدتي على هذا الطرح ،،،

  3. كلام صحيح مئه بالمئه ومشاكل موجوده وواضحه وكل شخص منا شايف وساكت المشكله طرح المشاكل والأخطاء وعدم طرح معالجاتها وسبل التخلص منها بدل عرضها والتحسر عليها. 

  4. موضوع جميل : وغالبا ما يزعجني , في مجتمعنا الخليجي خاصة يجبرونك انك
    تكوني نسخه عنهم , فجميع النساء يجب ان تكون اولى اهتماماتها ( الموضه )
    وجميع النساء يجب ان تحب الحفلات , وجميع النساء يجب ان تكره السياسة والرياضة , واذا كنتي غير ذلك وصفوك ( بالغريبة او نزعوا منك صفة الانوثه )

    من معجزة هذا الكون وعظم خلق الله ( خلق الاختلاف ) في الوان البشر وطبائعهم
    وطقوسهم وعاداتهم ولغاتهم , وخلق الالوان والا كان قادرا ان يخلق لونين فقط مثلا
    ولكن خلق الالوان ( للجمال , ولعدم الملل )

    التشابه يقود للملل والروتين , وهذا ينطبق على اللباس والذوق والتفكير والعادات

    انا شخصيا لاافهم الناس بدون طقوس شخصية ..

    شكرا لك ..

  5. فعلا أصبح الجميع نسخة واحدة دون وعي أو تفكير مسبق بما يقومون به من تقليد وممارسات والمشكلة انهم لا يفكرون ابدا بما يفعلونه سواء من طريقة اللباس او السلوك المهم لديهم هو مواكبة ماهو عصري وحديث “يجارون الموضة سواء أكانت مناسبة لهم أم لا واصبح تقييم الافراد ومنحهم تقديرا من خلال هذا الاستنساخ!!. أصبح مجتمعنا مشفراً على مايراه في وسائل الإعلام وكأن عقله مغيب رغم ان البعض قد يرى هذا ليس ملائما ولكنه يفعله حتى يواكب الجماعة في نفس السلوك وإلا كان شاذاً او معقداً !!للاسف ليس هناك الا قلة قليلة تعي ماتفعل لأنها تنظر لكافة الامور بعمق لا سطحية فالاختلاف والتميز هو من يجعل الشخصية تتطور للافضل لا أن تقاد دون إدراك او وعي والمضحك بانهم يتباهون بما يقومون به باعتقادهم انهم الافضل بهذا التصرف المستنسخ لايدركون بانهم ركنوا عقولهم ومنحوها اجازة طويلة وباتوا بذلك دمى تحركها قوى همها الاول والاخير الغاء هويتهم وجعلهم صور مستنسخة دون مضمون يذكر !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *