شاركني الحديث..!

خلال ما يقارب السنة، حاولت جاهدةً في مدونتي “هتاف” أن أكتب في مواضيعَ شتى، حسب وقتي، وحسب ما تجود به قريحتي التي تُعاندني كثيراً. بعد هذه المدةُ وأنا أطالعُ في مدونتي أحس بأني أهديتها شيئاً من روحي..شيئاً أتمنى أن ينبض في أروقة قلوبكم.

من بين كل القراء، يأتي قارئي المُفضل الذي يأتي في حديث العقل أو القلب مُتجلياً بكاملِ زينةِ كلماته وجلّ حكمته، ينثرُ كلاماً فصيحاً لا تجاريه لغتي. له عين تنتقد لتنمّي مَلكَة يراها وأخرى تتلمسُ موضع النور منها فترفعهُ إلى السماء. يتركُ تعليقاً ويمضي ويشعل في خاطري الرغبة في القراءة: أرجوك لا تتوقف. أكتب أكثر، فأنا أتعلم.

كثيرون وأنا منهم نمرُ يومياً على الكثير من المقالات والنصوص التي نقرأها وتعجبنا، أو لا تعجبنا ولكننا ننهيها. ثم كما يفعلُ الأغلب نغلقُ الصفحة كأن شيئاً لم يكن. الأكثريةُ لا تتركُ تعليقاً وحيداً يحسسُ الكاتب أن لفكرته صدىً. وأقصدُ هنا تعليقاً مُتزناً وناضجاً. بل إن أغلب الذين يأخذون زمام المُبادرة في التعليق على المواضيع والمقالات المختلفة هم من فئةُ المندفعين الذين تكونُ ردودهم خالية من”الرزانة”. جربوا أن تفتحوا أحد الصحف اليومية الإلكترونية في أي قسم تشاؤون منها، ستجدونَ مثالاً حيّاً لما أقول، ردودٌ استفزازيةٌ في أغلبها، وصوتُ الحكمة من بينها ضعيفٌ جداً يكاد أن يطمسَ لولا شهيقه.

ليس أحبّ للكاتب من أن يجدَ قارئاً، يجيدُ النقدَ بشكل حقيقي أو يشارك في رأيهِ بصراحة وذوق في موضوع ما. هناك من يكتبُ للكاتب، ( شكراً- جميل- كلام طيب) وهناك من يقول: (يا أخي ريحنا)، وليسَ أرقى ممن يقول له: (قرأتُ وتأثرت- قرأتُ ولديّ رأي مخالف- أو حدث معي)! هناك ردود تكون يطغى جمالها على ما كتب الكاتب نفسه.

في زيارتي الأخيرة لدُبي، دُعيت في إحدى البيوت الفاضلة لأتحدث عن شيء يهمُ الشباب كان أول ما حاولت تأكيدهُ: أنني لستُ “محاضرة” ولست “مُفكرة” إنما امرأةٌ تجتهدُ أن تقول شيئاً مُختلفاً. وأكدتُ أيضاً أني لا أحبُ “التفلسف”. جلسنا في مجلس فيه عددٌ من الفتيات، فتياتٌ سعدتُ بوجودهن إلا أن هاجسي كان أن أتحدث وحيدة دون أن يشاركني الحديث أحد. لأن الشعب -الخليجي- في عمومه مجبول على الخجل في المشاركة برأيه، إلا أن الفتيات كنّ أجمل من كل التوقعات فكانت النتيجة نقاشاً مثمراً عذباً يرسخُ في الذاكرة. قالت (سامية) في هذا اليوم: كنت “أعصب”عندما يقول لي أحد “تتفلسفين” ولكني وبعد أن قرأت في الفلسفة ونضجتُ أكثر صرتُ أقول “ممتاز قولوا عني أتفلسف، صار هذا الشيء يسعدني”

عندما تخلو الساحةُ من التفاعل الحقيقي بين الكاتب والقارئ تزيدُ الهوّة “النخبوية” فتبقى الأفكارُ مجردَ حبرٍ على ورق، أو على شاشة لا يمسها “الكي بورد”. القارئُ هو الرقيبُ الأول على ما تحطُ عليه عيناه، وعليه أن يتقمص الدورَ تماماً فيعطي وجهةَ نظرهِ دونَ وجلٍ وتردد. الكاتبُ يهبُ شيئاً من روحه فيما يكتب، أفلا نهبهُ شيئاً من نُضجنا؟! 

وحتى لا أكون ممن يقولون ما لا يفعلون، سآخذ على نفسي عهداً أن أكتب كل أسبوع رداً في مدونة ما على موضوع يعجبني ويُلهمني –قدرَ المستطاع-. هناكَ الكثيرُ من الكتابات التي تستحقُ الإشادة والأفكار التي تستحقُ النظر فيها والمدونات التي ترفلُ في تصاميم أنيقة تدل على ذوقٍ رفيع.

شكراً لكل صاحب رد على (مقالاتي وخواطري وقصصي القصيرة وكل ما كتبتُ هنا في مدونتي) لأنك علمتني أن الحرفَ يلهمُ للمزيد، وأن الردود أصلٌ وفكرٌ وذوق، وإن كنتَ تقرأ هذا المقال اليوم، وآثرت أن لا ترد، أرجوكَ افعل لأني سأمسكُ قلماً وأكتبُ أكثر.

 

Similar Posts

10 Comments

  1. صباحك معطر باجمل ما في الكلمات انا هلأ صحيت واول ما فتحت توتير لقيت موضوعك اول موضوع بصراحة كلامك صحيح ورائع التفاعل بين الكاتب والقارئ ضروري واشد الضرورة للطرفين للكتاب يعتبر وقود الكتابه لانو بدون ردود القارئ ما راح يكتب اكثر وللقارئ فمنها يستفيد ويقرأ اكثر 🙂

  2. جميلة يا شيماء!

    بالفعل، إن رأي القارئ هو صدى الكلمات التي يحب أن يسمعها قائلها أو كاتبها..
    صحيح أن قريحة القارئ أحياناً لاتجود بأكثر من كلمات لطيفة مثل الشكر والإطراء. غير أن هناك مزيد مما تتسع له حدقتي الكاتب وينبه مؤشراً ما لديه،
    ذلك أن التفاعل من طبائع البشر، والأخذ والرد والقبول أو الرفض،
    كلها أشياء من الصحيّ جداً حدوثها، ذلك أن القارئ لا ينبغي أن ينظر إلى ذاته بدونية المتلقي السلبي كما لاينبغي أن يمارس الكاتب التنظير بصفة استعلائية أو فوقية..
    هناك من القراء من يسقط في فخ الدونية، فيشعر دون أن يشعر أن كاتبه شخص يجلس على كرسي عاااالٍ ينثرُ الحكمة على رؤوس قرائه فما عليهم غير العب منها والقبول، ولذا لا يجد الجرأة في نفسه للمداخلة أو ابداء الرأي لأنه لم يعطِ نفسه وعقله فرصة التحليق. ليس ثمة مسلمات في حياتنا،
    الكاتب الناجح ماهو إلا شخص آمن بحريته وأطلق العنان لعقله وكلماته في فضاءات الله الحرة ممسكاً بلجام المعنى، إن شاء شد وإن شاء أرخى..

    فلننمي عقولنا بالقراءة إذن، ولنزكي نماءنا بالكتابة بوعي فما ذلك سوى زكاة علمٍ علمناه وفهمٍ فهمناه. ولنكن إيجابيين، نكتب ونناقش ليس لأجل الرغبة المجردة في الكلام والنقد وإنما لإثراء الحياة، لممارستها بوعي وإدراك. لنضع بصمتنا على الأشياء، ولتكن بصمة جميلة في كل الأحوال.

    شكراً شيماء لمشاركتنا أحاديثك اللذيذة وفكرك الجميل

  3. قبل عام نحت على جدار هذا الموقع (ادخلوه بسلاما آمنين )بخط اليد في صورة ضمت بجوار العبارة قلما أخضر ، لقطة فكرا راقي تحمل رسائل متعددة، كاتبة وقلما يحمل لون إشارة الانطلاق المتفق عليها عالميا . صفحتها الأولى ” لا أحب البدايات المكررة مطلقا ” و ” بين يدي دمية وحكاية “. الكاتب العظيم تربكه البدايات..و يعيش مخاضا عسير قبل ولادة النص.. و يترقب القارئ مخلوقا مختلف. تكتب لنا من مدينة الضباب أو الدوحة أو نقطة ما . والقارئ من التايمز سكوير و البيال و أزقة جدة العتيقة والقديمة وشوارع الرياض الغارقة في أحلام الشباب ودبي الفاتنة بابراجها وأبوظبي النائمة على كفوف الشيخ / محمد بن زايد ونقول لكل جهدا ثمن .ونطوي معا ونسير صفحة عاما كان ( الملهمون ) و ( وردني البرودكاست التالي ) و ذكريات ( أسلموا يا أهل أكسفورد) و ( سألت شيخا ) وطرائف ( بهيسة ) و ( ذمة ديزني ) و ( الغيمات الناعسة ) ومقطوعة (أحن إليك ) . جميلة لقطات الوفاء بين الكاتب والقارئ. شكرا شيماء وكل عام وأنتي إلى الله أقرب ولنا نبرسا يضئ الطرقات في عتمة الحياة.

  4. مرحبا شيماء ، كل ما قلتيه بشان القارئ و صدى حرفك أمر مهم أشغل النقاد بنظريات التلقي ، بل المناهج الحديثه أصبحت تعتني بالقارئ أكثر من منشئ النص . الاعتناء بشأن القراء مهم لأنهم مصدر الإلهام للكاتب و كما قلت ستكتبين بشكل أكبر . أمر آخر هناك ثلاثة أنواع للقراء بحسب ردود فعلهم : 1/منفعل : شخص يقرأ و لكن ما تسمى بالقراءة السلبية لأنه ينفعل دون القدرة على التعبير عن هذا الانفعال ، 2/متفاعل: و هو الإيجابي الذي تأثره ،3/فاعل : أعلى مستويات القراء الذي يشاركك في صنع النص بإلهامه و نصحه و إرشاده و توجيهه أو حتى مخالفته .. شيماء سعيدة بك و أتمنى أن تكوني كذلك ~

  5. مقال جميل ورائع ورائد,, بحق عندما قرأت هذا المقال تذكرت مقالات الشيخ المربي علي الطنطاوي,,, لو لي الحق في تقييمه لظفر بالعلامة الكاملة في رأئي المتواضع

    وشكراً شكرا

  6. جميل!
    عن نفسي؛ أحياناً أجدُ أ عباراتٍ مُقتضبة أو كلماتٍ من قبيل: جميل، رائع…… فحسب، أبلغ من غيرها، لا سيما وإن كنتُ فعلا أرى الكاتب قد اتفق معيَ في الوِجهة والهدف على نحوٍ لا أملكُ الزيادة عليه، لأنه -عندي- قد جاء بفكرتي و زاد عليها ما لم أملك، أو ترجم مشاعرَ في نفسي إلى كلماتٍ لم أكن لِآتيَ بها

    ثقي تماماً أن من علَّق بـ: جميل، رائع،،،،،،، قد حرّكَت به الكلماتُ المكتوبة شيئاً أو لامسَت شيئاً في عمقه، دفعه لألّا يمضي دون تعقيب

    ختاماً
    كل الشكر لكِ على استثارة قارئكِ للرد وتشجيع مشاركته إياكِ الرأي والنقد، فكثيراً ما سمِعنا دعواتٍ للمشاركة بالرأي وإبداءً لتقبّل النقد لم يُترجم على أرضِ الواقع أو لم يعدُ كونه كلماتٍ مكتوبةً فحسب
    فكما أن الكاتب يتطلّع لمعرفة رأي القارئ ونقده، فإن القارئ يهمه ويشجعه أن تكون تعقيباتُه محل اهتمامٍ ومتابعة من الكاتب

    🙂

    بورِكْتِ

  7. شيماء لن أخرج من هنا قبل أن أكتب شيئا
    فأنا صاحبة قلم وأشعر بما سطرته هنا…ولكن في بحر المعلومات وموجه المتلاطم
    وحرية طرح المعلومات ونشر الأفكار ……سيصبح اإنسان أو القارئ إما متجاهل لكل ما يقرأ لأنه يريد أن يتابع كل شيئ ولا يريد لشيء أن يفوته فليس لديه وقت للوقوف والكتابةوالتفكير والتعليق..أو تجديه أصلا لا يقرأ من الموضوع سوى اسم كاتبه وعنوانه وهؤلاء كثير كثير جدا…
    أو تجديه يقرأ المقال جيدا..وهو في الحقيقة كاتبا لسان حاله يقول اقرأوا وعلقوا على مقالاتي ولن ألتفت إلى مقالاتكم لأنها لا ترقى إلى مستواي, نتيجة الثقافة الأحادية ثقافة المتبوع والتابع …

    ولو ركزت قليلا لوجدت أن قلة التفاعل من قبل القراء أصبح أكبر بعد انتشار مواقع التواصل الإجتماعي المفتوحة وانتقال معظم الناس إليها فالإعجاب يقوم بالواجب..والمقال أو التعليق على الحائط سيمر على آلاف القراء سواء علقوا أم لا…بعكس المنتديات التي تجمع مجموعة من الأشخاص الذين يسعون لتبادل الحوارات والمجاملات أيضا حتى لا يصبح موضوع أحدهم موضوعا مهجورا..
    ويظل للقارئ وصدى صوته تأثيرا على الكاتب ,فكم عدد القراء الحقيقين يا ترى في عالمنا العربي؟

  8. رُبما يكون مقالك هذا بمثابة مبادرة منكِ لنا ..
    صدقتِ كثيراً فيما كتبتِ .. ربما سألتزم أنا أيضاً بذلك مع بداية هذا العام .. رد واحد أُسبوعي ..

    هذا الرد لن يعود على الكاتب فقط بالنفع بل على صاحب التعليق أيضاً .. الأفكار و الآراء لابد أن تجد لها من ينظر لها بعدة زوايا حتى تنضع ، زاويتنا (الرؤية الأولى) لآرآئنا رُبما أحياناً تحتاج لأكثر من زاوية حتى تنضج .. وهُنا و في أماكن أُخرى من أفضل الأماكن لُنضجها ..

    من جديد أعتبرها مُبادرةً منكِ لكِ ولنا مع بداية هذا العام 🙂

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *