نَسَخْتْ فَأين أَلْصِقْ؟!

في حديث عن التجارة واستخدام الموهبة للحصول على دخِل سنوّي جيد، قالت لي صديقة عن تجربة صديقتها المصورة، تحدثني قائلة: “أن لها صديقة قامت بتسجيل أعمالها الفنية التصويرية لدى إحدى الجهات المعنية بحماية الحقوق الفكرية، وعليه فإنها تستطيع مقاضاة أي أحد يستغل صُورها لأعمال تجارية أو إعلانية بدون إذن مكتوب منها. وعليه فإنها تقوم بملاحقة المتجرئين على استخدام أعمالها بدون إذنٍ منها ورفع دعاوى عليهم وتحصل منهم على تعويض مادي، يتناسب مع الحجم الذي تم استخدام أعمالها فيه! وأن هذا الأمر يوفر لها مبالغ جيدة جداً سنوياً”.

قد لا يبدو الموضوع غريباً، لأنه الأمر أصبح منتشراً في الآونة الأخيرة ونسمع عنه باستمرار بين الحين والآخر. خصوصاً في ظل النداءات المتكررة للحقوقيين في نشر موضوع حماية الملكية الفكرية. ولا ريب أن المُشرع في الدول المدنية أفردَ تشريعات خاصة بحماية حقوق المؤلفين والحقوق المجاورة. فأول مادة بعد شرح التعريفات تنص على: “يتمتع بالحماية المقررة في هذه القانون مؤلفو المصنفات المبتكرة في الآداب والفنون، أياً كانت قيمة هذه المصنفات أو نوعيتها، أو الغرض من تأليفها، أو طريقة التعبير عنها..الخ” ثم يبدأ بعرض المصنفات التي تشملها هذه الحماية بوجه خاص(1).

إلا أن الثورة التكنولوجية تحول دون حفظ هذا النوع من الحقوق، فبمجرد أن يعجبك شيء وأنت تتجول بين صفحات الإنترنت التي لا تنتهي تكفيك ضغطة زر لنسخهِ وأخرى للصقه وأخيرة لإرساله لمن تشاء، محتفظاً بخيار إزالة اسم كاتبهِ مصدره أو تركه. وبإمكان من يشاء أن يصبحَ “باحثاً” و”كاتباً” و “محللاً” بمجرد قيامهِ بأكبر عدد من عمليات القص واللصق. وقد يكون هذا الأمر عادياً لولا أن خَلف هذه المعلومات المُتكدسة على الشبكة أناسٌ كثر يعملون على إدخالها، وربما يكون هؤلاء قد بذلوا من وقتهم وجهدهم الكثير لتشكيل هذا المحتوى الإلكتروني. وهؤلاء يصبحون بفعلنا أناساً مَنسين ومُغيبين لا يطالهم الشكر ولا يُخلدهم التاريخ.

إن حماية الحقوق الأدبية لأي كاتب أو مبدع، أمر بالغ الأهمية إذا كنا بصدد الحديث عن دور كل فرد في البناء المُجتمعّي. فالمجتمعُ الذي لا يُقدر إبداعَ أبناءهِ مجتمع بالٍ يتكىءُ على قشور الحضارة. ولعلّي هنا ألقي بالجهد على “القارئ الواعي” وليس على القوانين التي تحاول ردع عمليات “السطو الفكري”، فهو المَعنِّيُّ الأول بصلاح العالم من حوله. إن الاستهانة بالحقوق البسيطة تورثُ استهانةً بالحقوق الأكبر منها، لأن التبلدَ كالداء إن لم تعالجهُ استشرى.

إن حب التميز والابتكار موجودٌ في داخل كلٍ منا. إلا أن التمايز الحقيقي يكون في الطريقةِ والغاية. هناك من يعملُ جاهداً على صقل تميزهِ وتحسينِ أداءه، وهناكَ من يكتفي بالنظر والأخذ دون الجُهد والتعب. فالأول يكون في مصّاف المجتهدين المنتجين والآخر قد يوضع في صف المنتجين وفي نفسهِ شيء من صِغَر.فكل من ينسبُ لنفسهِ شيئاً ليسَ من عمله وجهده ما هو إلا سارقٌ مُتسترٌ سيأتي يومٌ ويشارُ إليه ببنانِ الانتقاص. فلماذا يضعُ البعضُ أنفسهم في هذه الخانة؟!

من فضائل “جوجل” أنك تستطيعُ البحث عما تشاء وفي ثوانٍ معدودة يكونُ بين يديك. قمتُ منذُ فترة بالبحث عن جملة كنتُ كتبتها في إحدى قصصي القصيرة ولكسلي قمتُ بالبحث عنها في (جوجل) لم أدهش لكثرةِ تداولها بقدر ما آلمني حسُ الأمانة المفقودِ لدى مُتداوليها، فما يضرُ أحدهم أن يضيفَ اسم المؤلف الحقيقي أو مصدر الاقتباس؟ أو استخدامَ أضعف الإيمان رمز النجمة (*) المتداول أنه للاقتباسات. إنَ حس الأمانة مناطٌ بثقة الإنسان في نفسه وما يقدمه، فكلما قلَت هذه الثقة زادت معها انتهاك حقوق الآخرين!

من الجميلِ أن يرى مُبدع انتشار أعماله خصوصاً إذا كانت رسالتهُ في الحياةِ عظيمة. فالأفكار الحيَة واجبٌ نقلها حتى تصل إلى كافةِ الشرائح المُجتمعية. فدور الفردِ لا يُستهان به في تبسيطِ وتدوير هذه الأفكار. بل إن المُبدعَ بلا تشجيع الأفرادِ حوله قد يساوره الشكُ في جودةِ إنتاجه. فالأفكار التي لا تصلُ للآخرين أفكار ميتة وجامدة. ولكن الأجمل أن يتم كلُ ذلك بالرجوعِ إلى مصدرِ هذه الإبداعاتِ المتداولة ومؤلفيها الأصليين. ولنكن جميعاً أفراداً ناضجين فاعلين ومُنتجين، لا مراهقين منفعلين ومُستغلين.!

_______________

1. القانون القطري، قانون رقم (7) لسنة 2002 بشأن حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة.

Similar Posts

3 Comments

  1. نصح روحانيا من شرق آسيا الكاتبة الأمريكية ( إليزابيث غيلبرت) بتحقيق التوازن في حياتها فقال لها” فلتكن لك أربع أقدام تثبتك على الأرض اثنتان لا تكفيان وتعاملي مع هذا العالم بقلبك لا بعقلك”

    لكن كيف نحقق التوازن في التعامل مع هذا المقال ؟

    كم نحتاج من العقول ؟

    في المقالات السابقة كانت الكاتبة تستدرجنا بخبايا القلوب انطلاقا إلى مكنونات العقول والمنطق التحليلي ثم الرأي الشخصي وكنا نشعر بأننا قراء لهذا اليوم الجميل الموسوم بالفكر الأجمل وشركاء في الحوار . اليوم تغيرت الإستراتيجية ويبدو أن الكاتبة خضعت أخيرا لتخصصها الأكاديمي وأصبح النص القانوني هو الفاصل أو مرحلة جديدة لفرض سلطة القانون على التجاوزات. لنستعد لهذه المرحلة بنصوص القانون وقانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية كل أثنين كجزء من ثقافة الحياة .
    أنا أشعر بأنّ الأمر سرقة (أدبية أو علمية) عملا سيّئا
    في النّهاية (ولا يجب أن يكون)..

    لأعلى درجات الفكر الواعي والناضج و الهادئ يا شيماء

  2. أعجبني ما تفضلت به الأخت شيماء فمجرد القص واللصق بدون ذكر المصدر يهضم حقوق الأصل أما المغالاة في القص واللصق دون المحاولة للإبداع والأصالة تلغي قدرة العقل على الكتابة والتأليف وتجعله يخمد ويكسل . أما الاقتباس فلا بأس به والإشارة إليه . ذات يوم وجدت نصا لي باسم شخص آخر فغضبت جداً أوضحت للقراء ذلك لذلك أعرف الشعور الذي تتحدث عنه شيماء موضوع جيد وطريقة رائعة لمناقشة المشكلة دمت أستاذة شيماء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *