شرفةُ وَداعْ (2)

(1)

تعلمتُ أن أقتنصَ الحروفَ وأقفَ بها عاريةً من النقاطِ والشاماتِ حتى يبينَ بياضهُا فتستحيلَ “وضحاءً” في سيل. ولقنتُ حُنجرتي أن لا تجاملَ على حسابِ نغماتها. تعلمتُ أنْ أرسمَ الكحلَ في عينيّ خارطةً للتائهينْ حتى إذا ما اهتدى من جاء يرمقها تشكلَ لهُ طريقهُ فأصبحَ يمضي يَعلمُ هداهُ وإلى أينَ يمضيْ.

يقولُ برجي أنني حينَ أحبُ لا أستكين، ولكنهُ نسيَ أن يخبرني من أختار، فالانتظار مرٌ والحبيبُ لا يأتي على عجالة بكامل المواصفاتْ، بل يكتتبُ في أرصدةِ الغيابِ ولا يبيع!

احترفتُ دسَ حُزني بين أكمامي و لمْ يسطعْ أحدٌ فض بكارةِ الشجنِ في منطِقِي واستوائيْ، حتى إذا ما استويتُ في مخدعي؛ طاردني صوتُ (العودِ) محفزاً كلَ دمعاتي فتهطلُ أباريقَ لو وزعتْ على كؤوسِ فخارٍ لذابَ طينها وسالَ نهراً من طمِي .!!

سمعتُ يوماً: “أنا لا أتحاملُ على أحدْ فأنا أكرهُ الجميعَ بالتساوي” ربما تحمل هذه الجملة الكثير من التطرف، ولكنها أعجبتني. فكرةُ عدم التحامل فكرة لطيفة، ولكنها لا تعني الحب. فكرة الكره أليمة ولكنها نسبية. هذه الجملة تليق بحالات التوّحد، وتجعلنا كائنات دقيقة تحدد أماكن الأشخاص في حياتها بالضبط فلا يتجاوز أحدٌ مرتبةً تقربهُ من ألم!

أما الحبُ ذاكَ الذي أشرعُ له أحداقي كلمَا شددتُ الرحالَ إلى أعماقي، فأقبلُ أن تطربني فيروزُ و أقبل أن يصدحُ محمد عبده بتفاصيلهِ ويغرقني، وأصالة ُبما كان يقترفهُ صوتها من فتنة، وكاظم بكل ما بكل نوتاته المُدوزنةِ الجميله ونزارياته المفعمةِ وتقاطيعِ وجهه الحالم. كلهم يحملون في أصواتهم حباً .. وحزناً ولولا هاتين لما كانت حبالهم الصوتية لتهتزَ بنهمٍ يفترسُ الألحان ويحفزُ العقيقَ فتزدادُ حمرته !!

يقولُ لي الأصدقاءُ حينَ أصدهم : عن ماذا تَبحثين؟!

فأجيبُ مستسلمةً : أنا لا أبحثُ عن أحدْ .. بل أنتظرُ من يستحقْ ..!!

و يناطحُ لملماتي جمرُ الانتظار، والاختيارِ من جديدْ ..

تعرضُ عليّ صحائفُ من أبراجٍ مختلفة .. لا تتفقُ معي في الكثير ولا تتشابه معي في الكثير، وحيثُ أني متصالحةٌ مع نفسي أستطيع أن أختارَ ما يليقُ بي.

هو واحدٌ فقطْ، مستعدةٌ أن أقطعَ له فيافي الشوقْ، وأستظلُ بأرصفةٍ من رمادٍ لأجلِ عينيهْ ..وأقفُ بينَ كلُ طريقٍ قبلَ أن تحطُ أقدامهُ عليهْ، مطهرةً له إياهُ من خطايا العابرينْ ..!

أينَ هُوْ ؟

آتوني به، لأستبيحَ كلَ قطرةٍ دمٍ فيّ لهْ ..

وأنقلُ من فصيلتي له دونَ حاجةٍ مخزناً اذا احتاجَ وجدهْ، فأكون بينه كل حينٍ أو يزيد !

آتوني به؛

بدوياً .. يحترفُ التصوّف، يقترفُ التفاصيل الصغيرةَ بحنكةِ شيخٍ في السبعينْ ..

يعترفُ بسلمى .. وليلى.. و آلهةِ العشقِ المنصوبةِ في مدينةٍ تعومُ في الماء..

ويقدسُ منزلاً لي في عقرِ داره.. وطللاً يمرُ به كلَ يومْ ..!

يخيطُ لي كلَ يومٍ من أشعةِ الشمسِ سترةً جديدة وإكليلاً من زنبق!

سأرسم على وجنتيه ابتساماتِ طفلٍ لم يأتِ.. وهمهماتِ شوقٍ لا نصبَ فيها ولا فتور ..

وأطبعُ على جبهتهِ البهيِة .. مئة عامٍ من القبلاتْ.. وأكثر !

* * *

(2)

ولد الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه في 15 أكتوبر 1844، كان لغوياً بارعاً، أصيب بمرض شديد كاد يفقدُ حياته فيه حتّى انه وصى أختهُ بأن لا تدعو قسيساً لجنازته معللاً ذلك بأنه يريدُ أن يموت وثنياً شريفاً. وحين تعافى كتبَ كتابهُ الأشهر على الإطلاق: (هكذا تكلم زرادشت). تعتبرُ آراءهُ الفلسفية الأكثر جرأة ويعتبرها البعض عنصرية، إللا أنها تغذي العديد من التيارات الفلسفية في أوروبا.

هذه بعض الاقتباسات من كتاباته:

– “ليكن المستقبلُ والمقاصد البعيدة ما تصبو إليه في يومك، فتحب في صديقك الإنسان المتفوق وتضعه نصب عينيك”

– “إن العزلة شيء والوحشةُ شيء آخر”

– “ما ألذ الكلمات وما أحلى خداع الأصوات فإنها ترقص حبنا على جميع مافي قوس قزح من الألوان”

– “هناك شخص واحد لم يذق طعم الفشل في حياته هو الرجل الذي يعيش بلا هدف”

* * *

(3)

* * *

كل أكتوبر وأنتم بخير

: )

Similar Posts

One Comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *