شُرفةُ وداعْ (1)
(1)
مَائية، وهوائية !
هكذا اختارت أمي أن تلدني، مَقطوعَةً غَير مُموسقة بنوتاتٍ مُتناغمةٍ تَماماً، بَل مُتنوعة كالغيمِ والماءْ لترسخَ في أذهانِ العابرين..!
بُرجانِ في السماءِ يتنازعانِ من أجليْ أيهما يحظى بشخصي أكثرْ، وأنا أكابرُ من أجلِ أن أكونَ حياديةً فأجعلُ لكل منهما سبعاً. إننا نختلقُ الحيادية لأننا محكومونَ بأفكارٍ مسبقةٍ لا محالة، مهما حاولنَا التجانسَ مع مفهومها نجدُ أنفسنا ننساقُ إلى ضفةٍ دونَ الأخرَى.
أيضاً، البداياتُ والنهاياتُ أسطورة أخرى في حياتي نِتاج نهاية الميزانِ وبداية العقربْ، فحيثُ يبدأُ الناس أنتهي، وحيثُ ينتهونَ أبدأ، كلُ حياتي تدورُ حولَ هذا المحورْ. في خفايا الذات نوافذُ غير مطروقة، كل منها تطلُ على مأدبةٍ تختلفُ عن الأخرى، الشبابيكُ لا تمنحنا رؤيةً شاملةً للأشياء، بل تجعلنا ننظر في أبعادٍ متفرفة. أحبُ النظرَ في كل النوافذِ التي تتقاطعُ في طريقي لأطل من خلالها على الجهاتْ المتناثرة، و دوماً كنتُ أبادرُ لفتحها بلا تردد، حتى إذا ما استوت نوافذي مشرعةً للريحِ من كل حدودِ خارطتي، أطلقتُ نايَّيْ للغيم، فخرجتُ من بابِ السماءِ الدنيا لأجدَ الكونَ يتدلى من حولي ينظرُ أيّ ثمارهِ أقطفْ..!!
مذكراتٌ و كتاباتٌ ورقيةٌ وأخرى رقمية، كلها تحاولُ الانفلاتَ مني، أفكارٌ كثيرةٌ دفنت في صدري، لم أحاول قَبرَها علّ الحياةَ تعاودها من جديد في لحظة جنونية مسروقة. أحلامي التي تبيتُ متدثرةً بحرارةِ أوردتي هي الأخرى تنازعُ من أجلِ أن ترى بزوغَ الشمس على وجهي المستفيق. كلُ شيء يحاولُ بصمتهِ وضوضاءه استثارةَ حواسي، وأنا خَوائي لا يساعدني على الكثيرِ من الغواية !
(بينَ يديّ دمية وحكاية) و ( أنت جهاتي الأربعة )، عباراتٌ تُليتْ عليّ في لحظاتِ سُكرٍ فاخرة، وتملكتْ أرجائي، كلُ من يقرأُ هاتينِ يحسبهمَا “آيَاً” ويحفظهما على قلبهِ بعنفوانْ. الكل يحسُ أنهما أنا، وأنا أحسُ أن كليهما عَيْنٌ مني !
عشرينيةٌ فرَدَت لي الدنيا من سَعيرهَا لهباً ومن بردِها نزراً يسيراً، أقتاتُ به كُلمَا جفَ خبزي!
أخيطُ ما تبقى من ذاكرتِي حتى باتت الرقعُ فيها أكثرَ من أماكنِ الاستواءْ، وهبَني الله قُبلَةَ صبرٍ فوقفتُ أواجهُ العالمَ والطبيعة وأنا. و(أنا) أصعبُ من صبرتُ عليهِ حتى الآنْ، وسأصبرُ لأنها وحدها ما تَبَقَى لي منْ ريحِ يوسُفْ ..!!
حينَ طاولتُ العشرينَ كنتُ قضيتُ تسعةً عشرَ عاماً في البحثْ عنْ أيٍ شيءٍ يمتُ إلى هذا العالمِ قد ينسجمُ مع أحلامي وآلامي، وحينَ طاولتُ العشرينَ قضَمُتُ فاكهة السخرية فاكتشفتُ أن الحياة التي سبقتِ العشرينَ مقدودةٌ من دبرْ ..!!
فآمنتُ أن استقبالَ ما يجدُ من سنينَ تضافُ إلى عمري المتزايد لا جسمي المتناحل، يتطلبُ من أن آتي بجيشٍ يشبهُ جيشَ سليمانَ. عَليّ أن أنوِّخ أطرافي المرهقةِ على شرفةٍ بدويةٍ مجردةٍ من الزيفْ. وهكذا تلقيتُ نرجسيةً مفرطةً، وآمنتُ أنَ البدويَ مهما كانَ مقحماً في التقاليد إلا أن روحهُ متحللةٌ من جسدهِ وعقلهُ يطاردُ طيرهُ كلما أطلقهُ لخيرٍ قادمْ، عادَ إليهِ قمرهُ بحبٍ منسابٍ كقهوةٍ يستحيلُ “هَيلُهَا ” جَلداً ..!!
* * *
(2)
كثيرون يعرفون رالف لوران المصمم، ولد رالف في 14 أكتوبر 1939. وأصيب بورم حميد في المخ إلا أنه شفيَّ منهُ بعد جراحة. لم يكن ذلك ليعيق رالف عن تطوير خط الأزياء الخاص به. افتتح رالف مركزاً خاصاً للسرطان http://www.ralphlaurencenter.org/about_bios.asp . الانسانُ العظيم هو الذي ينذرُ حياتهُ لخدمةِ الآخرين دونَ أن ينسى نفسهُ من خير الدنيا والآخرة.
* * *
كل أكتوبر وأنتم بخير
: )