الأول من ذي اللقاء

بقلم: عائشة السلطان

تويتر: @AishaJS

***

إن لبعض لقاءاتنا رائحةُ الجنة، تُدخلنا في غيبوبةِ طهر. نُحملُ فيها على أجنحةٍ من سندسٍ وإستبرق. كل شيءٍ فيها يكونُ آسراً، حتى أدقُ التفاصيلِ من صوتٍ وحركة. عندها فقط، يتلاشى ذلكَ الخيطُ الرفيعُ الذي يفصلُ بينَ الحلمِ والحقيقة، حتى لا نتبينَ في أيّ عالمٍ نعيش. يتوقفُ الكونُ كلهُ لحظتها، وتُصبحُ للشمسِ وظيفةٌ واحدةٌ فقط، أنْ تُحيلَ الأرضَ مسرحاً لتسلطَ الضوءَ على ذلكَ المكانِ الذي يجمعُ روحينِ .. لاجسدين.

أعلمها بوصولهِ وبدأتِ الأرضُ تطوى تحتَ قدميّها شوقاً. نزَلت السلم عتبةً عتبةً، يقودوها قلبها لللقاء الأول.  تلمحهُ يجلس بعيداً. لم تجد نفسها إلا وهي تختبىءُ من عينيهِ خلفَ أحدِ الأعمدة. مرَّت دقيقةٌ .. اثنتان .. ثلاثة، تحاولُ أن تستجمعَ الخجلَ وتضعهُ في حقيبتها لبعضِ الوقت. توَجَهَت إليه، تحدوها رغبةٌ لأن تصلَ ولا تصِل، يتساقطُ منها ألفُ سؤالٍ وسؤال: أيكونُ ودْقاً .. جاءَ يروي زهرةً لم تكد تتفتحُ بعد، حتى ينتشي وحدهُ بعطرها الذي يغمرهُ ولهاً؟ أيكونُ محراباً..جاءَ لتعتكف فيهِ حباً وتؤدي فروضَ العشقِ كلها حتى تستقيم به؟ أيكون نبياً مرسلاً..أقرأتهُ الملائكةُ السلام، وجَعَلت على عاتقهِ مهمةَ أن يجعلَ روحه جسراً لتعبرُ فوقها و تصلَ لجنته؟

يلتقيان  فتضمُ عيناها عينيه. كان أول الحلم ابتسامةٌ رُسمت على وجهيهما، كلاهما يعرفُ الآخرَ بها. أحاطت بهما هالةٌ من فرح. مرَّ بجانبها.. سرَقَ يدها خِلسةً و قررَ أن ينساها في يده، ومع وقعِ كُلّ خطوة يخطيانها تُزهرُ الأرضُ خلفهما. كانَ ذلك بوابةً لمعرفة الآخر. لم تكن تعرفُ أنها تشبهُ بعضَ تفاصيلهِ، ربما كانَ مهداً لولادتها من جَديد. لم تكن تعرف أنه وُلِدَ من شغف. يتذوق جمالَ الأماكنِ و الأشياءِ بكل حواسه، يُدلل حتى أحاسيسه. يمشي ويتركُ لها في كل زاويةٍ تارةً ابتسامة وتارةً أخرى حكاية تبقى هناك، تروي نفسها من جديدٍ في كل مرةٍ ستعبر فيها ذلك الرواق. هنا يبحثُ عن جزيرةٍ صغيرة .. هنا يتلمّس الدرجَ و يتحسسُ البابَ الخشبيَّ بأصابِعَ تعرفُ كيفَ تختزلُ التفاصيل لتؤثثَ ذاكرةَ المُدنِ لديه، وهنا يتأملُ المكان بعيونِ طفلٍ تأخذ الدهشة بيدهِ في أول مصافحةٍ له مع العالم. كل شيءٍ أصبح يشي بأنه مر من هنا يوماً.

 يتسائلان من سابقَ الآخر، الوقت أم هما؟! لكن كل ذلكَ مر كحلمِ عاشقٍ خجول ينتظرُ صبحَ اللقاءِ أن يحين.

كانت لنهايةِ لقائهما رائحةُ القهوة ممزوجةً بعبق المدنِ العتيقة. تلك التي تعلقُ بأقاصي الذاكرةِ و لاتفتأ تتجدد حيناً بعدَ آخر في كلّ مرةٍ يباغتنا الحنينُ إليها. بضعُ كلماتٍ ولم تستطع إلا أن تطلقَ روحها لتنشُدَ سكناً في غيمٍ شكلّهُ بيديه.

وها هي الآنَ تجري وتقذف نفسها في أحضانِ كلِ الأشياءِ الجميلةِ حولها، وتخرجُ للدنيا سِحراً يُعجزُ الناظرينَ وصفه.

(ولا تزالُ ترددُ كل ليلة قبلَ أن تنام:

أيها الأول من ذي اللقاء،من عامِ القرب”

فيك أهديتُ روحي إليه

ولا أريدُ أن أسترّدها

و

“بَعدَك على بَالي”)

Similar Posts

3 Comments

  1. ” بعدك على بالي ”

    عشت جو بموضوعك ، أهنيك على أسلوبك ..
    ثاني موضوع إقراه لك و إن شاء الله للمزيد ، شكرا لك
    وأتمنى اني اقرأ لك أكثر ، لسهولة حروفك (f)

  2. مش هقدر أقول أى حاجه غير ……..

    يالروعة الكلمات ………

    يا لروعة الاحساس …………

    يا لروعة المشاعر ………………

  3. ما شاء الله 🙂 .

    قراءة .. أدخلتني في غيبوبة ..
    في فضاء , وهدوء , وسكينة..
    :
    حتى كدت أن أستنشق العطر..
    وأحمل الحقيبة ..
    :

    حروفك … آسرة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *