هنا مكة


في الطريق إلى مكة، تصبحُ المشاعرُ مزيجاً من الرهبةِ والرجاء، ويُردِّدُ المرءُ تلقائياً: أنا بِبَابكَ يالله، فتقَبَّل مِني.

لمكةَ رُوحٌ خَاصة، حينَ تدخلها تحسُّ بأنَّ كُلَّ شيءٍ يتحركُ بسرعةٍ، ولكلِّ ركنٍ حكايةٌ لا تعرفُ متى بدأت، ومتى انتهت. سيلٌ من المواقفِ تمرُّ عليكَ وأنت صامتٌ، تحاولُ لملمةَ ما ترى أمامك.

سأحاولُ أن أدَوِّنَ هُنا بعضَ المواقفِ التي مَرَرَنا بها في هذه الرحلةِ القصيرة، والأفكارِ التي طرأت عليَّ خلالها.

 

-1-

أحبُّ مكةَ، رُغمَ أنها تغيرت كثيراً. أعمالُ البناءِ فيها عملاقةٌ وجَبَّارة، وكُلُّ عمارةٍ حديثةٍ تنتقصُ جزءً من روحِ المدينة. هناكَ رائحةٌ تَخطِفُك مع كل خطوةٍ تَمضِيها نحو البيتِ الحرام.

مُنذُ الخَطَواتِ الأولى تشعرُ بخفَّةٍ ورائحةٍ نفاذةٍ تستطيعُ تمييزَهَا، رُبَّمَا تكونُ رائحةَ الوقتِ ممزوجةً برائحةِ الحنين لرؤيةِ الكعبةِ الشريفة. المُهم أنَّ هذه الرائحةُ لم تكن موجودةً، وأصواتُ عملياتِ البناءِ عالية، وأصواتُ اللغطِ الكثيرةِ في كُلِّ وقتٍ كانت أطغى !

 

-2-

في أوقاتِ الطوافِ والسعي؛ لا أحبُّ أن تَمُر بجانبي المجموعاتُ البشريةُ التي تدعو بصوتٍ عالٍ؛ لأني ساعتها أتوقفُ عن الدعاءِ وأسمعُ دعائهم !
وفي كُلِّ فوجٍ يمرُّ؛ أصمتُ وأفكرُ في طريقةِ تنظيمهم لأنفسهم. تُسعدُنِي الجموعُ المُنَظَّمةُ خصوصاً الماليزية والأندونيسية، ثمة مقدارٌ من الهدوءِ والسكينةِ والنظام. شُعوبٌ حينَ تمرُّ بجانِبِها لا تخافُ غالباً أن تُدهسَ أو أن يُشَقَّ عليكَ من قبلهم. وليتَ الشعوب الأخرى تأخذُ القليلَ منهم؛ عَلَّ المناسكَ تكونُ أنظمَ وأسهل !

 

-3-

مِنَ المواقفِ الطريفةِ التي مرَّت علينا بعد الانتهاءِ من السعي، كُنَّا ننتظرُ البقيةَ المتبقيةَ مِنَّا، فمرَّ بنا ونحن ننتظرُ، زوجانِ لم يُنهِيَا سَعيهُمَا بعد، وكانَ حديثُهمَا عن الأولاد، فقامت الزوجةُ بعتاب الرجلِ على تقصيرِهِ، فإذا به يجيبها بعصبيةٍ وغضب: ” وأنا أعمل لك إيه يا أم مرسي.. خنئتيني !!” .

 

-4-

أكرهُ المتسولينَ المقتدرينَ على العملِ، من ذوي البنيةِ الصحيةِ، ولا أجدُ مناصاً أحياناً من الردِّ عليهم حتى ولو كانَ بقليلٍ من العصبيةِ حين يَستمرونَ في التذمُّرِ والشكوى والاستجداء !

مرت بي واحدةٌ من المتسولاتِ تطلبُ وتعلِّلُ أنها مُحتاجةً، إلى بقيةِ القصصِ التي حفظناها، فلمَّا قالت لي:
– أنا أختك ساعديني!!!
– ومتى آخر مرة شفتك فيها؟! لا أنا أختك ولا أعرفك!!
– أنت ربنا منعم عليك!
– والله أنا أصغر منك، وأعمل كل يوم من 7:30 صباحاً إلى 3:30 مساءً، وبالتالي اللي أقدر أسويه أنا تقدرين تسوينه انتي، فلو سمحتي توكلي!

ويبدو أنها دعت عليَّ بعدَ سيلِ الدعواتِ التي دَعتها لي : )

 

هذه التدوينةُ ليست بديلاً عن مقالِ الاثنين، ولكن الفُندقَ البديع لَمْ تُوصَلْ به بعدُ خدمةُ الانترنت؛ مِمَّا عَطَّلني عن إنهاءِ المقال!

سأكملُ في وقتٍ لاحقٍ هذه اليومياتِ القصيرة، وحتى ذلكَ الحين، كُونوا جميعاً بخير.

Similar Posts

4 Comments

  1. لقد كان مقال اليوم رائع ، أيتها الكاتبة الصغيره 🙂
    يوماً ما ستصبحين كاتبة كبيرة ان شاء الله ؛)!

  2. هنئياً لك العمره ، اسأل الله ان يتقبلها منك
    دائماً في طريق جده – مكه السريع وعندما اشاهد انوار الحرم المكي ينتابني شعور لا اجد له مثيل
    راحه ، طمأنينه ، كره للدنيا ، شوق للاخره ‘
    كلما افرزنا من مشاعر سواءً كانت حزينه او سعيده تجتمع في هذا المكان
    انها مكه ، انها مهبط الوحي ، انها بداية الرساله <3
    دمتي بود ، ودام حبر قلمك يلون حياتك !
    تقبلي مروري ^_^

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *