أحِنُّ إلَيكْ

وفي الليل انطواءُ الحنينِ على الحنين، والقلبُ على القلب، وما بين غيماتِ الليلِ البيضاء، دعاءُ عشاقٍ أدمنوا النظرَ إلى السماء. وما نجوم الليلِ إلا أشواقٌِ تفَجرت من قلبِ عاشقٍ فاحتضنتها السماء حناناً. في الليل تنتَعشُ النوايا المُغلفةُ بالوَله، ويصبحُ الشوقُ عَملاً صَالحاً كَحبنا سنابلهُ الغرام وتضاعفهُ بركاتُ الملائكة.

بيني وبينكَ أكثرُ مِمَا بَيني وبينَ نَفسي. ولأنكَ نفسي وجَميعُهَا، أحنُّ إليكَ في كلِ حين فأنتُ أصلُ كلُ حيٍّ فيّ. يجرفني الحنين إليك، وأتصبرُ بدعاء أيوب فتسكنُ خلاييّ وتصيرُ أنتَ قُوتي واتزاني فصدري يحملُ قلبكَ وقلبي يفكرُ بعقلك، فتتسارع دقاتُ قلبي و يَشْتَدَّ عودي! وهل يسمعُ حُبك هذهِ الأجراس المُقدسة؟

كلُ شيءٍ حَولي يتحولُ موالاً رطباً بذكْرك، ويشقيني البعدُ فأتعطرُ بعطركَ فتكونَ أنتَ ماثلاً أمامي تَضمنُي فيزدادَ شَوقي. ولا أجملَ من تواجدكَ حولي تُسندُ وجَعي على كتفكَ وتأخذُ بخاطري، فَتَجبُرُ كَسري براحتيك، وحينَهَا فقطْ تتراخَى الكلماتُ في فَمي، ويهطلُ دَمعي فيكونُ وّدكَ مِظلتي.

الحَنين أن أنظر إلى المِرآة فأرى وَجهك لا وَجهي. وأن أحكي بصوتكَ لا بصوتي وتخرجُ الحروف مِني كَما تَخرجُ مِنك، فيختلطَ على مُحدثّي إن كَان يُخاطبني أو يخَاطبُك.

الحنينُ أن أشرع أبوابَ قلبي فأجد قلبكَ على عَتباته وتلِج منْ باب الوتين لا سِواه، فتجدَ مأدُبة لهفةٍ أقامتهَا لك أضلعي وأنشدهَا حَنيني إليك.وتجدَ في كلِ ركنٍ من أركانِ قلبي وباحاتهِ الخضرِ المشتعلةِ بحبكَ رياحينَاً وأقاحيّ زهرْ. وتشتمُ عطركَ وقد اختلطَ برائحةِ شَعري، فيكونُ سُكْركَ وعيناكَ قَدَحي..!

الحنين شَوكة رَقيقة تنغرسُ في الجَسد ولا تَراها، تَظل تؤلم قَبل نَزعِها وحين تَنزَعُها وتتذكرها يوماً تَعض على شَفتيكَ وتضغطُ مَكانها لا شعورياً.تتسارعُ دقاتُ القلبِ وتزدادُ النبضاتُ تباعاً، وتمرُ عليكَ الذكرياتُ كشريطٍ سينمائي قصيرٍ ومتقن، لا تسلو عن التفاصيلِ فيه رائحةٌ وصورةٌ وهمسْ وغمامةٌ تمضي بانسياب، وصوتٌ كهديلِ الحمام وصدى يترددُ في الأفق:

((دَعْني أتَعَاطَى حَنينَ اللَهْفَةِ إلَيْكْ))

 

Similar Posts

One Comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *